للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ ... ) إلى آخر الآية، قال: هذا يوم الأحزاب، انصرف رجل من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد أخاه بين يديه شواء ورغيف ونبيذ، فقال له: أنت هاهنا في الشواء والرغيف والنبيذ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف؟ فقال: هلمّ إلى هذا، فقد بلغ بك وبصاحبك، والذي يحلف به لا يستقبلها (١) محمد أبدا، فقال: كذبت والذي يحلف به؛ قال -وكان أخاه من أبيه وأمِّه-: أما والله لأخبرنّ النّبي صلى الله عليه وسلم أمرك؛ قال: وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره؛ قال: فوجده قد نزل جبرائيل عليه السلام بخبره (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا) .

وقوله: (أشحَّةً عَلَيْكُمْ) اختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به هؤلاء المنافقين في هذا الموضع من الشح، فقال بعضهم: وصفهم بالشحّ عليهم في الغنيمة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أشِحَّةً عَلَيْكُمْ) في الغنيمة.

وقال آخرون: بل وصفهم بالشحّ عليهم بالخير.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أشِحَّةً عَلَيْكُمْ) قال: بالخير المنافقون، وقال غيره: معناه: أشحة عليكم بالنفقة على ضعفاء المؤمنين منكم.

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله وصف هؤلاء المنافقين بالجبن والشحّ، ولم يخصص وصفهم من معاني الشحّ، بمعنى دون معنى، فهم كما وصفهم الله به: أشحة على المؤمنين بالغنيمة والخير والنفقة في سبيل الله، على أهل مسكنة المسلمين. ونصب قوله: (أشِحَّةً عَلَيْكُمْ) على الحال من ذكر الاسم الذي في قوله: (وَلا يَأْتُونَ البأْسَ) كأنه قيل: هم جبناء عند البأس، أشحاء عند قسم الغنيمة بالغنيمة. وقد يحتمل أن يكون قطعا من قوله: (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ المُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) فيكون تأويله: قد يعلم الله الذين يعوّقون الناس على القتال، ويشحون عند الفتح بالغنيمة، ويجوز أن يكون أيضا قطعا من قوله: هلم إلينا أشحة، وهم هكذا أشحة. ووصفهم جلّ ثناؤه بما وصفهم من الشحّ على المؤمنين لما في


(١) كذا في الأصل، وفي الدر المنثور للسيوطي: لا يستقى لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>