للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تحريمه لما قال:"عند بيتك المحرم" عند نزوله به، ولكنه حُرِّم قبله، وحُرِّم بعده.

* * *

وقال آخرون: كان الحرم حلالا قبل دعوة إبراهيم كسائر البلاد غيره، وإنما صار حراما بتحريم إبراهيم إياه، كما كانت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالا قبل تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها. قالوا: والدليل على ما قلنا من ذلك، ما:-

٢٠٢٩- حدثنا به ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إن إبراهيم حرم بيت الله وأمنه، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها، عضاهها وصيدها، ولا تقطع عضاهها. (١)

٢٠٣٠- حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا [حدثنا ابن إدريس - وأخبرنا أبو كريب قال] ، حدثنا عبد الرحيم الرازي، [قالا جميعا] : سمعنا أشعث، عن نافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم كان عبد الله وخليله، وإني عبد الله ورسوله، وإن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها، عضاهها وصيدها، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا يقطع منها شجر إلا لعلف بعير. (٢)


(١) الحديث: ٢٠٢٩- إسناده صحيح. عبد الرحمن بن مهدي: هو الإمام الحافظ العلم. سفيان: هو الثوري.
أبو الزبير: هو المكي، محمد بن مسلم بن تدرس، تابعي ثقة. أخرج له الجماعة. جابر: هو ابن عبد الله، الصحابي المشهور.
والحديث رواه مسلم ١: ٣٨٥، بنحوه، من طريق محمد بن عبد الله الأسدي، عن سفيان، بهذا الإسناد. بلفظ"إن إبراهيم حرم مكة" إلخ.
ونقله ابن كثير ١: ٣١٦، وقال: "وهكذا رواه النسائي، عن محمد بن بشار بندار، به". و"بندار": لقب محمد بن بشار.
اللابتان: هما الحرتان بجانبي المدينة، وهي الأرض ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها.
العضاه، بكسر العين وتخفيف الضاد المعجمة وآخره هاء: كل شجر عظيم له شوك.
(٢) الحديث: ٢٠٣٠- أبو السائب: هو مسلم بن جنادة، مضت ترجمته: ٤٨. ابن إدريس: هو عبد الله بن إدريس الأودي. سبقت ترجمته في: ٤٣٨.
عبد الرحيم الرازي: هو عبد الرحيم بن سليمان الرازي الأشل الكناني - الذي مضت له رواية في الحديث ٢٠٢٨- وهو ثقة كثير الحديث. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢/٢/٢٣٩.
أشعث: هو ابن سوار الكندي، ضعفه بعضهم، ووثقه آخرون. وقد رجحنا توثيقه في شرح المسند: ٦٦١. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ١/٢/٤٣٠، وابن أبي حاتم ١/١/٢٧١-٢٧٢.
نافع: هو مولى ابن عمر، الثقة الثبت الحجة.
وقد كان هذا الإسناد: مغلوطا في المطبوعة هكذا: "حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا حدثنا عبد الرحيم الرازي: سمعت أشعث. . . " نقص منه"ابن إدريس". فكان ظاهره أن أبا كريب وأبا السائب روياه عن عبد الرحيم الرازي عن أشعث. والصواب ما أثبتناه، نقلا عن ابن كثير ١: ٣١٦، عن هذا الموضع من الطبري.
فصحة الإسناد: أنه يرويه الطبري عن أبي كريب وأبي السائب. كلاهما عن عبد الله بن إدريس، ثم يرويه الطبري عن أبي كريب وحده، عن عبد الرحيم الرازي -وأن عبد الله بن إدريس وعبد الرحيم الرازي سمعاه جميعا من أشعث.
وهذا الحديث من هذا الوجه، قال فيه ابن كثير: "وهذه الطريق غريبة، ليست في شيء من الكتب الستة". وأزيد عليه: أني لم أجدها في المسند أيضًا، ولا في غيره مما استطعت الرجوع إليه من المراجع.
ثم أشار ابن كثير إلى أن أصل معناه ثابت عن أبي هريرة، من وجه آخر، في صحيح مسلم. وهو حديث مالك في الموطأ، ص: ٨٨٥، عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة: "كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا. اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة، ومثله معه". وهو في صحيح مسلم ١: ٣٨٧، عن قتيبة، عن مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>