عينيه من البقل ما غطَّى رأسه; ثم نادى: رب قرح الجبين، وَجمَدت العين، وداود لم يرجع إليه في خطيئته شيء، فنودي: أجائع فتطعم، أم مريض فتشفى، أم مظلوم فينتصر لك؟ قال: فنحب نحبة هاج كلّ شيء كان نبت، فعند ذلك غفر له. وكانت خطيئته مكتوبة بكفه يقرؤها، وكان يؤتى بالإناء ليشرب فلا يشرب إلا ثلثه أو نصفه، وكان يذكر خطيئته، فينحِب النَّحْبة تكاد مفاصله تزول بعضها من بعض، ثم ما يتم شرابه حتى يملأه من دموعه; وكان يقال: إن دمعة داود، تعدل دمعة الخلائق، ودمعة آدم تعدل دمعة داود ودمعة الخلائق، قال: فهو يجيء يوم القيامة خطيئته مكتوبة بكفه، فيقول: رب ذنبي ذنبي قدّمني، قال: فيقدّم فلا يأمن فيقول: ربّ أخِّرني فيؤخَّر فلا يأمن.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لَهِيعة، عن أبي صخر، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك سمعه يقول: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول:"إنَّ دَاوُدَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حِينَ نَظَرَ إلَى المَرْأَةِ فَأَهَمَّ، قَطَعَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، فَأَوْصَى صَاحِبَ البَعْثِ، فَقَالَ: إذَا حَضَرَ العَدُوُّ، فَقَرَّبَ فُلانًا بَيْنَ يَدَيِ التَّابُوتِ، وَكَانَ التَّابُوتُ فِي ذَلِكَ الزَّمانِ يُسْتَنْصَرُ بِهِ، وَمَنْ قُدّمَ بَيْنَ يَدَيِ التَّابُوتِ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يُقْتَلَ أوْ يُهْزَمَ عَنْهُ الجَيْشُ، فَقُتِلَ زُوْجُ المَرْأَةِ وَنزلَ المَلَكَانِ عَلى دَاوُدَ يَقُصَّانِ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ، فَفَطِنَ دَاوُدُ فَسَجَدَ، فَمَكَثَ أرْبَعِينَ لَيْلَةً سَاجِدًا حَتَّى نَبَتَ الزَّرْعُ مِنْ دُمُوعِهِ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَكَلَتِ الأرْضُ جَبِينَهُ وَهُوَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ" فَلَمْ أُحْصِ مِنَ الرّقاشيِّ إلا هؤلاء الكلمات:"رَبِّ زَلَّ دَاوُدُ أبْعَدُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، إنْ لَمْ تَرْحَمْ ضَعْفَ دَاوُدَ وَتَغْفِرْ ذَنْبَهُ، جَعَلْتُ ذَنْبَهُ حَدِيثًا فِي الخُلُوفِ مِنْ بَعْدِهِ، فَجَاءَهُ جِبْرَائِيلُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مِنْ بَعْدِ الأرْبَعِينَ لَيْلَةً، قَالَ: يَا دَاوُدُ إنَّ الله قَدْ غَفَرَ لَكَ الهَمَّ الَّذِي هَمَمْتَ بِهِ، فَقَالَ دَاوُدُ: عَلِمْت أن الرب قادر على أن يغفر لي الهم الذي هممت به، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال: يا رب دمي الذي عنْدَ دَاوُدَ، فَقالَ جِبْرائيل صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ما سألْتُ رَبَّكَ عَنْ ذلكَ، وَلَئنْ شِئْتَ لأفْعَلَنَّ، فقال: نَعَمْ، فَعَرجَ جِبْريلُ وَسَجَدَ دَاوُدُ، فَمَكَثَ ما شاء الله، ثُمَّ نزلَ فَقَالَ: قَدْ سَأَلت رَبَّكَ عَزَّ وجَلّ َيا دَاوُدُ عَنِ الَّذي أرْسَلْتَنِي فِيهِ، فَقَالَ: قُلْ لِدَاوُدَ: إنَّ الله يَجْمَعُكُما يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ: هَبْ لي دَمَكَ الَّذِي عِنْدَ دَاوُدَ، فَيَقُولُ: هُوَ لَك يا رَبّ، فَيَقُولُ: فإنَّ لَكَ فِي الجَنَّةِ ما شِئْتَ وَما اشْتَهَيْتَ عِوَضًا) .