للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فترجم عن جهنم بقوله (لَشَرَّ مَآبٍ) ومعنى الكلام: إن للكافرين لشرَّ مَصِير يصيرون إليه يوم القيامة، لأن مصيرهم إلى جهنم، وإليها منقلبهم بعد وفاتهم (فَبِئْسَ الْمِهَادُ) يقول تعالى ذكره: فبئس الفراش الذي افترشوه لأنفسهم جهنم.

وقوله (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) يقول تعالى ذكره: هذا حميم، وهو الذي قد أغلي حتى انتهى حرّه، وغساق فَلْيذوقوه; فالحميم مرفوع بهذا، وقوله (فَلْيَذُوقُوهُ) معناه التأخير، لأن معنى الكلام ما ذكرت، وهو: هذا حميم وغساق فليذوقوه. وقد يتجه إلى أن يكون هذا مكتفيا بقوله فليذوقوه ثم يُبْتَدأ فيقال: حميم وغَسَّاق، بمعنى: منه حميم ومنه غَسَّاق.

كما قال الشاعر:

حتى إذا أضَاءَ الصُّبْحُ في غَلَسٍ ... وَغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ وَمَحْصُودٌ (١)

وإذا وُجِّه إلى هذا المعنى جاز في هذا النصب والرفع. النصب: على أن يُضْمر قبلها لها ناصب، كم قال الشاعر:

زِيادَتَنا نُعْمانُ لا تَحْرِمَنَّنا ... تَقِ الله فِينا والكِتابَ الَّذي تَتْلُو (٢)

والرفع بالهاء في قوله (فَلْيَذُوقُوهُ) كما يقال: الليلَ فبادروه، والليلُ فبادروه.


(١) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة ٢٨١) قال في قوله تعالى:" هذا فليذوقوه حميم وغساق": رفعت الحميم والغساق بهذا، مقدما ومؤخرا. والمعنى: هذا حميم وغساق فليذوقوه. وإن شئت جعلته (حميم وغساق) : مستأنفا، وجعلت الكلام قبله مكتفيا، كأنك قلت:" هذا فليذوقوه" ثم قلت: منه غساق. كقول الشاعر:" حتى إذا ... البيت) . أهـ.
(٢) هذا البيت لعبد الله بن همام السلولي (اللسان: وفي) يخاطب النعمان بن بشير الأنصاري، وكان قد ولي الكوفة لمعاوية، وكان معاوية قد زاد أناسا في أعطياتهم عشرة، فأنفذ النعمان، وترك بعضهم لأنهم جاءوا بكتب بعد ما فرغ من الحملة، وكان ابن همام ممن تخلف، فكلمه فأبى عليه: فقال ابن همام قصيدة يرفقه عليه، ويتشفع بالأنصار، ويمدح معاوية. وقوله" زيادتنا" منصوب بفعل محذوف يفسره الفعل المؤكد بالنون. لأنه يعمل فيما قبله، كما قال الرضى: والفعل المؤكد يروي: لا تنسبنها، ويروي لا تحرمننا (انظر شرح شواهد الشافية للرضي ص ٤٩٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>