والقول في ذلك عندي نظير القول في أخواتها، وقد بيَّنا ذلك، في قوله:(الم) ، ففي ذلك كفاية عن إعادته في هذا الموضع، إذ كان القول في حم، وجميع ما جاء في القرآن على هذا الوجه، أعني حروف التهجي قولا واحدا.
وقوله:(تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) يقول الله تعالى ذكره: من الله العزيز في انتقامه من أعدائه، العليم يما يعملون من الأعمال وغيرها تنزيل هذا الكتاب; فالتنزيل مرفوع بقوله:(مِنَ اللَّهِ) .
وفي قوله:(غَافِرِ الذَّنْبِ) وجهان ; أحدهما: أن يكون بمعنى يغفر ذنوب العباد، وإذا أريد هذا المعنى، كان خفض غافر وقابل من وجهين، أحدهما من نية تكرير"من"، فيكون معنى الكلام حينئذ: تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، من غافر الذنب، وقابل التوب، لأن غافر الذنب نكرة، وليس بالأفصح أن يكون نعتا للمعرفة، وهو نكرة، والآخر أن يكون أجرى في إعرابه، وهو نكرة على إعراب الأول كالنعت له، لوقوعه بينه وبين قوله:(ذِي الطَّوْلِ) وهو معرفة.. وقد يجوز أن يكون أتبع إعرابه وهو نكرة إعراب الأول، إذ كان مدحا، وكان المدح يتبع إعرابه ما قبله أحيانا، ويعدل به عن إعراب الأول أحيانا بالنصب والرفع كما قال الشاعر:
(١) البيتان لخرنق بنت هفان من قصيدة رثت بها زوجها بشر بن عمرو بن مرثد الضبعي، وابنها علقمة بن بشر وجماعة من قومها قتلوا في معركة (خزاية الأدب الكبرى للبغدادي ٢: ٣٠٦) ومحل الشاهد في البيتين أنه يجوز قطع نعت المعرفة بالواو، فقولها: والطيبون نعت مقطوع بالواو من قومي، للمدح والتعظيم، يجعله خبر مبتدأ محذوف، أي هم الطيبون. وقوله" النازلين": مقطوع فالنصب، مع أنه نعت لقومي المرفوع. وإنما نصب بفعل مقدر أي أمدح أو أعني، أو نحوهما، واستشهد بهما المؤلف (الطبري) على أن قوله تعالى:" غافر الذنب" نعت للفظ" الله" المجرور بمن، ويجوز في هذا النعت الجر على الإتباع، كما يجوز فيه القطع بالنصب، بتقدير فعل: أي أخص غافر الذنب، أو بالرفع، بتقدير مبتدإ: أي هو غافر الذنب.