للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (رِيحًا صَرْصَرًا) قال: باردة.

حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (رِيحًا صَرْصَرًا) قال: باردة ذات الصوت.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت. الضحاك يقول، في قوله: (رِيحًا صَرْصَرًا) يقول: ريحا فيها برد شديد.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول مجاهد، وذلك أن قوله: (صَرْصَرًا) إنما هو صوت الريح إذا هبت بشدة، فسمع لها كقول القائل: صرر، ثم جعل ذلك من أجل التضعيف الذي في الراء، فقال ثم أبدلت إحدى الراءات صادا لكثرة الراءات، كما قيل في ردده: ردرده، وفي نههه: نهنهه، كما قال رؤبة?

فالْيَوْمَ قَدْ تُنَهْنِهُني ... وَأَوَّلُ حِلْمٍ لَيْسَ بِالْمُسَفَّهِ (١)

وكما قيل في كففه: كفكفه، كما قال النابغة?

أُكَفكِفُ عَبْرَةً غَلَبَتْ عُدَاتِي ... إذَا نَهْنَهْتُهَا عادَت ذُباحا (٢)

وقد قيل: إن النهر الذي يسمى صرصرا، إنما سمي بذلك لصوت الماء الجاري فيه، وإنه"فعلل" من صرر نظير الريح الصرصر.


(١) البيتان في ديوانه (طبع ليبسج ١٦٦) وهما أل (١٩، ٢٠) ونهنهني زجرني وكفنى. يقول هذا بعد أن كبر وضعف. والأول: الرجوع. والحلم العقل. والسفه: المنسوب إلى السفه. يقول: كنت أستجيب لدواعي الصبا ما دمت شابا، أما اليوم وقد علتني كبرة، ورجع إلى ما عزب من عقلي، فقد كفني عن الطيش حلمي وعقلى، فلا أفعل ما كنت أفعل في الشباب.
(٢) نسب المؤلف البيت إلى النابغة، ولم أجده في الديوان ولا في شروحه المختلفة. ومعنى أكفكف العبرة: أردها. وقوله غلبت عداتي: أي أنهم كانوا حراصا على أن أبكي بما يسيئون إلى، فغلبتهم عبرتي التي حبستها، ونهنهتها: كففتها ورددتها. وذباحا: ذبحا. ذبحا. يريد أنه حبس عبرته، وكان حبسها كالذبح من شدة الألم لأن البكاء يخفف ما يضطرم في النفس من ألم وغيظ ونحوه. والبيت عند المؤلف شاهد على أن كفكف ونهنه وصرصر ونحوها من الفعل الرباعي المضعف: أصلها: كفف ونهه وصرر، فلما اجتمع فيه ثلاث أحرف أمثال، أبدلت إحدى الراءات من نوع فاء الكلمة. وهذا مذهب لبعض النحويين الكوفيين، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>