وقد روي عن ابن عباس في ذلك قراءةٌ، جاءت مصاحفُ المسلمين بخلافها، وأجمعت قَرَأة القرآن على تركها. وذلك ما:-
٢١٠٩- حدثنا به محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن أبي حمزة، قال: قال ابن عباس: لا تقولوا:"فإن آمنوا بمثل مَا آمنتم به فقد اهتدوا" -فإنه ليس لله مثل- ولكن قولوا:"فإن آمنوا بالذي آمنتم به فَقد اهتدوا"- أو قال:"فإن آمنوا بما آمنتم به".
* * *
فكأن ابن عباس -في هذه الرواية إن كانت صحيحة عنه- يوجِّه تأويل قراءة من قرأ:"فإن آمنُوا بمثل مَا آمنتم به"، فإن آمنوا بمثل الله، وبمثل ما أنزل على إبراهيم وإسماعيل. وذلك إذا صرف إلى هذا الوجه، شِركٌ لا شكَّ بالله العظيم. لأنه لا مثل لله تعالى ذكرُه، فنؤمن أو نكفر به.
* * *
ولكن تأويل ذلك على غير المعنى الذي وَجّه إليه تأويله. وإنما معناه ما وصفنا، وهو: فإن صدّقوا مثل تصديقكم بما صدقتم به -من جميع ما عددنا عليكم من كتُب الله وأنبيائه- فقد اهتدوا. فالتشبيه إنما وقع بين التصديقين والإقرارين اللذين هما إيمان هؤلاء وإيمان هؤلاء. كقول القائل:"مرّ عمرو بأخيك مثلَ ما مررتُ به"، يعني بذلك مرّ عمرو بأخيك مثل مُروري به. والتمثيل إنما دخل تمثيلا بين المرورين، لا بين عمرو وبين المتكلم. فكذلك قوله:"فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به"، إنما وقع التمثيل بين الإيمانين، لا بين المؤمَنِ به.