قيض له من الشياطين. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة وابن محيصن:(حَتَّى إِذَا جَاءَنَا) على التوحيد، بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا العاشي من بني آدم عن ذكر الرحمن.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا المعنى وذلك أن في خبر الله تبارك وتعالى عن حال أحد الفريقين عند مقدمه عليه فيما أقرنا فيه في الدنيا، الكفاية للسامع عن خبر الآخر، إذ كان الخبر عن حال أحدهما معلوما به خبر حال الآخر، وهما مع ذلك قراءتان مستفيضتان في قرءة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: حتى إذَا جاءنا هو وقرينه جميعا.
وقوله:(يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) يقول تعالى ذكره: قال أحد هذين القرينين لصاحبه الآخر: وددت أن بيني وبينك بعد المشرقين: أى بعد ما بين المشرق والمغرب، فغلب اسم أحدهما على الآخر، كما قيل: شبه القمرين، وكما قال الشاعر?
(١) البيت للفرزدق (ديوانه طبعة الصاوي ٥١٩) . قال: وقمراها: الشمس والقمر، ثناهما تغليبا. ورواه المبرد في الكامل:" أخذنا بأطراف" في موضع، ورواه في آخر بآفاق. اهـ. واستشهد به المؤلف عند قوله تعالى: (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين) : أي بعد ما بين المشرق والمغرب. وأخذ كلامه من كلام الفراء في معاني القرآن (الورقة ٢٩٥) قال الفراء: يريد ما بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف. ويقال إنه أراد المشرق والمغرب، فقال المشرقين، وهو أشبه الوجهين بالصواب؛ لأن العرب قد تجمع الاسمين، على تسمية أشهرهما فيقال: جاءك الزهدمان، وإنما أحدهما زهم (أي والآخر: كردم العبسيان كما تقدم في شاهد سابق) وقال الشاعر:" أخذنا بآفاق السماء ... " البيت.