وقوله (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا) يقول: لا يدفع ابن عمّ عن ابن عمّ، ولا صاحب عن صاحبه شيئا من عقوبة الله التي حلَّت بهم من الله (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) يقول: ولا ينصر بعضهم بعضا، فيستعيذوا ممن نالهم بعقوبة كما كانوا يفعلونه في الدنيا.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا) ... الآية، انقطعت الأسباب يومئذ يا ابن آدم، وصار الناس إلى أعمالهم، فمن أصاب يومئذ خيرا سعد به آخر ما عليه، ومن أصاب يومئذ شرّا شقي به آخر ما عليه.
وقوله (إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ) اختلف أهل العربية في موضع"مَنْ" في قوله: (إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ) فقال بعض نحويي البصرة: إلا من رحم الله، فجعله بدلا من الاسم المضمر في ينصرون، وإن شئت جعلته مبتدأ وأضمرت خبره، يريد به: إلا من رحم الله فيغني عنه. وقال بعض نحويي الكوفة قوله (إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ) قال: المؤمنون يشفع بعضهم في بعض، فإن شئت فاجعل"مَنْ" في موضع رفع، كأنك قلت: لا يقوم أحد إلا فلان، وإن شئت جعلته نصبا على الاستثناء والانقطاع عن أوّل الكلام، يريد: اللهمّ إلا من رحم الله.
وقال آخرون منهم: معناه لا يغني مولى عن مولى شيئا، إلا من أذن الله له أن يشفع; قال: لا يكون بدلا مما في ينصرون، لأن إلا محقق، والأوّل منفيّ، والبدل لا يكون إلا بمعنى الأوّل. قال: وكذلك لا يجوز أن يكون مستأنفا، لأنه لا يستأنف بالاستثناء.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون في موضع رفع بمعنى: يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا إلا من رحم الله منهم، فإنه يغني عنه بأن يشفع له عند ربه.
وقوله (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) يقول جلّ ثناؤه واصفا نفسه: إن الله هو العزيز في انتقامه من أعدائه، الرحيم بأوليائه، وأهل طاعته.