واختلفت القرّاء في قراءة قوله:(آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) وفي التي بعد ذلك فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (آياتٌ) رفعا على الابتداء، وترك ردّها على قوله (لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة (آياتٍ) خفضا بتأويل النصب ردّا على قوله (لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) .
وزعم قارئو ذلك كذلك من المتأخرين أنهم اختاروا قراءته كذلك، لأنه في قراءة أُبيّ في الآيات الثلاثة (لآياتٍ) باللام فجعلوا دخول اللام في ذلك في قراءته دليلا لهم على صحة قراءة جميعه بالخفض، وليس الذي اعتمدوا عليه من الحجة في ذلك بحجة، لأنه لا رواية بذلك عن أبيّ صحيحة، وأبيّ لو صحت به عنه رواية، ثم لم يُعلم كيف كانت قراءته بالخفض أو بالرفع لم يكن الحكم عليه بأنه كان يقرؤه خفضا، بأولى من الحكم عليه بأنه كان يقرؤه رفعا، إذ كانت العرب قد تدخل اللام في خبر المعطوف على جملة كلام تامّ قد عملت في ابتدائها "إن"، مع ابتدائهم إياه، كما قال حُمَيد بن ثَور الهِلاليّ:
فأدخل اللام في خبر مبتدأ بعد جملة خبر قد عملت فيه "إن" إذ كان
(١) لم أجد البيت في ديوان حميد بن ثور الهلالي طبعة دار الكتب المصرية. والخلاف الطرف: هم الذين خلفوا بعد آبائهم القدماء. يقول: إن الخلافة بعد الخلفاء الأولين صارت ذميمة، والخلفاء المحدثون محتقرون في عيني، لأنهم لا يسلكون مسلك آبائهم. والشاهد في البيت أن الشاعر استأنف بالواو جملة من مبتدأ وخبر مرفوعين بعد الجملة الأولى التي مبتدؤها منصوب بأن، وذلك كما في الآية: "إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون". ا. هـ. وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة ٢٩٩) قوله " وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات": تقرأ الآيات بالخفض، على تأويل النصب، يرد على قوله "إن في السموات والأرض لآيات". ويقوي الخفض فيها أنها في قراءة عبد الله بن مسعود: لآيات. وفي قراءة أُبي لآيات. والرفع قراءة الناس على الاستئناف فيما بعد أن. والعرب تقول: إن لي عليك مالا، وعلى أخيك مال كثير، فينصبون الثاني ويرفعونه وفي قراءة عبد الله: "وفي اختلاف الليل والنهار" فهذه تقوي خفض الاختلاف. ولو رفع رافع فقال: "واختلاف الليل والنهار آيات" أيضا، يجعل الاختلاف آيات، ولم نسمعه من أحد من القراء. قال: ولو رفع رافع الآيات وفيها اللام، كان صوابا. قال: أنشدني الكسائي "إن الخلافة.." البيت.