لأن عبدتها هلكت، وكانت هي حجارة أو نحاسا، فلم يصبها ما أصابهم ودعوها، فلم تجبهم، ولم تغثهم، وذلك ضلالها عنهم، وذلك إفكهم، يقول عزّ وجلّ هذه الآلهة التي ضلَّت عن هؤلاء الذين كانوا يعبدونها من دون الله عند نزول بأس الله بهم، وفي حال طمعهم فيها أن تغيثهم، فخذلتهم، هو إفكهم: يقول: هو كذبهم الذي كانوا يكذّبون، ويقولون به هؤلاء آلهتنا وما كانوا يفترون، يقول: وهو الذي كانوا يفترون، فيقولون: هي تقرّبنا إلى الله زُلفى، وهي شفعاؤنا عند الله. وأخرج الكلام مخرج الفعل، والمعنيّ المفعول به، فقيل: وذلك إفكهم، والمعنيّ فيه: المأفوك به لأن الإفك إنما هو فعل الآفك، والآلهة مأفوك بها. وقد مضى البيان عن نظائر ذلك قبل، قال: وكذلك قوله (وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار، وذلك إفكهم بكسر الألف وسكون الفاء وضم الكاف بالمعنى الذي بيَّنا.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك ما حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، عن عوف، عمن حدثه، عن ابن عباس، أنه كان يقرؤها (وَذَلِكَ أَفْكُهُمْ) يعني بفتح الألف والكاف وقال: أضلهم. فمن قرأ القراءة الأولى التي عليها قرّاء الأمصار، فالهاء والميم في موضع خفض. ومن قرأ هذه القراءة التي ذكرناها عن ابن عباس فالهاء والميم في موضع نصب، وذلك أن معنى الكلام على ذلك، وذلك صرفهم عن الإيمان بالله.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا، القراءة التي عليها قراءة الأمصار لإجماع الحجة عليها.