حدث من قبله ما حدث في السماء، ورسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يشعر بمكانهم، كما قد ذكرنا عن ابن عباس قبل.
وكما حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ) قال: ما شعر بهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى جاءوا، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه فيهم، وأخبر عنهم.
وقال آخرون: بل أمر نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يقرأ عليهم القرآن، وأنهم جمعوا له بعد أن تقدّم الله إليه بإنذارهم، وأمره بقراءة القرآن عليهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) قال: "ذكر لنا أنهم صرفُوا إليه من نِينَوَى، قال: فإن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال: إني أمرت أن أقرأ القرآن على الجنّ، فأيكم يتبعني"؟ فأطرقوا، ثم استتبعهم فأطرقوا، ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا، فقال رجل: يا رسول الله إنك لذو بدئه، (١) فاتبعه عبد الله بن مسعود، فدخل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم شعبا يقال له شعب الحجون. قال: وخطّ نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على عبد الله خطا ليثبته به، قال: فجعلت تهوي بي وأرى أمثال النسور تمشي في دفوفها، وسمعت لغطا شديدا، حتى خفت على نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ثم تلا القرآن; فلما رجع نبيّ الله قلت: يا نبيّ الله ما اللغط الذي سمعت؟ قال: اجتمعوا إليّ في قتيل كان بينهم، فقُضي بينهم بالحقّ.
وذُكر لنا أن ابن مسعود لما قَدِم الكوفة رأى شيوخا شُمطا من الزُّط، فراعوه، قال: من هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء نفر من الأعاجم، قال: ما أريت للذين قرأ عليهم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الإسلام من الجنّ شبها أدنى
(١) في ابن كثير " لذو ندبة "، وكأن الرجل يتعجب من نشاط رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسراعه لما ندب أصحابه إليه فأحجموا. ولعله مأخوذ من قولهم " رجل ندب " أي خفيف سريع في الحاجة.