ابن جريج قال: قلت لعطاء:"وما جَعلنا القِبلة التي كنتَ عليها". قال: القِبلة بيتُ المقدس.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما ترك ذكر"الصرف عنها"، اكتفاء بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه، كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نَظائره. (١)
وإنما قُلنا: ذلك معناه، لأن محنةَ الله أصحابَ رسوله في القِبلة، إنما كانت -فيما تظاهرت به الأخبار- عند التحويل من بيت المقدس إلى الكعبة، حتى ارتدَّ -فيما ذكر- رجالٌ ممن كان قد أسلمَ واتَّبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهرَ كثيرٌ من المنافقين =من أجل ذلك= نفاقَهم، وقالوا: ما بَالُ محمد يحوّلنا مرة إلى هاهنا ومرة إلى هاهنا! وقال المسلمون، فيمن مضى من إخوانهم المسلمين وهم يصلون نحو بيت المقدس: بطلت أعمالُنا وأعمالُهم وضاعت! وقال المشركون: تحيَّر محمد [صلى الله عليه وسلم] في دينه! فكان ذلك فتنةً للناس، وتمحيصًا للمؤمنين.
فلذلك قال جل ثناؤه:"ومَا جَعلنا القِبلةَ التي كنت عليها إلا لنعلمَ من يتَّبع الرسول ممن ينقلب على عَقبيه"، أي: ومَا جعلنا صَرْفك عن القبلة التي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جل ثناؤه:(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)[سورة الإسراء: ٦٠] بمعنى: وما جعلنا خَبرَك عن الرؤيا التي أريناك. وذلك أنه لو لم يكن أخبَر القوم بما كان أُرِي، لم يكن فيه على أحد فتنةٌ، وكذلك القبلة الأولى التي كانت نحو بيت المقدس، لو لم يكن صرفٌ عنها إلى الكعبة، لم يكن فيها على أحد فتنةٌ ولا محْنة.
* * *
ذكر الأخبار التي رُويت في ذلك بمعنى ما قلنا:
(١) انظر ما سلف ١: ١٣٩-١٤١، ١٧٩، وغيرها كثير، اطلبه في الفهارس.