قد سألت عنها زيد بن أسلم، فقال: ما قال لك؟ فقلت: بل تخبرني ما تقول، فقال: لأخبرنك برأيي الذي عليه رأيي، فأخبرني ما قال لك؟ قلت: قال: يراد بهذا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: وما علم زيد؟ والله ما سن عالية، ولا لسان فصيح، ولا معرفة بكلام العرب، إنما يُراد بهذا الكافر، ثم قال: اقرأ ما بعدها يدلك على ذلك، قال: ثم سألت حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، فقال لي مثل ما قال صالح: هل سألت أحدا فأخبرني به؟ قلت: إني قد سألت زيد بن أسلم وصالح بن كيسان، فقال لي: ما قالا لك؟ قلت: بل تخبرني بقولك، قال: لأخبرنك بقولي، فأخبرته بالذي قالا لي، قال: أخالفهما جميعا، يريد بها البرّ والفاجر، قال الله:(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) قال: فانكشف الغطاء عن البرّ والفاجر، فرأى كلّ ما يصير إليه.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) يعني المشركين.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عنى بها البرّ والفاجر، لأن الله أتبع هذه الآيات قوله (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) والإنسان في هذا الموضع بمعنى: الناس كلهم، غير مخصوص منهم بعض دون بعض. فمعلوم إذا كان ذلك كذلك أن معنى قوله (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) وجاءتك أيها الإنسان سكرة الموت بالحقّ (ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) وإذا كان ذلك كذلك كانت بينة صحة ما قلنا.
وقوله (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا) يقول تعالى ذكره: يقال له: لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الإنسان من الأهوال والشدائد (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ) يقول: فجلينا ذلك لك، وأظهرناه لعينيك، حتى رأيته وعاينته، فزالت الغفلة عنك.