للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و"الرأفة"، أعلى مَعاني الرحمة، وهي عَامَّة لجميع الخلق في الدنيا، ولبعضهم في الآخرة.

* * *

وأما"الرحيم": فإنه ذو الرحمة للمؤمنين في الدنيا والآخرة، على ما قد بينا فيما مضى قبل. (١)

* * *

وإنما أراد جل ثناؤه بذلك أنّ الله عز وجل أرْحمُ بعباده منْ أن يُضيع لهم طاعةً أطاعوه بها فلا يثيبهم عليها، وأرأفُ بهم من أن يُؤاخذهم بترك ما لم يفرضه عليهم -أيْ ولا تأسوا عَلى مَوْتاكم الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس-، فإني لهم =على طاعتهم إياي بصَلاتهم التي صلوها كذلك= مثيبٌ، لأني أرحم بهم من أن أضيع لهم عملا عملوه لي؛ ولا تحزنوا عليهم، فإني غيرُ مؤاخذهم بتركهم الصلاة إلى الكعبة، لأني لم أكن فرضت ذلك عليهم، وأنا أرأف بخلقي من أن أعاقبهم على تركهم ما لم آمرهم بعمله.

* * *

وفي"الرءوف" لغات. إحداها"رَؤُف" على مثال"فَعُل"، كما قال الوليد بن عقبة:

وَشرُّ الطالِبِينَ -وَلا تَكُنْه- ... بقَاتِلِ عَمِّه، الرَّؤُفُ الرَّحِيم (٢)


(١) انظر ما سلف ١: ١٢٦-١٣٤.
(٢) كان في المطبوعة: "الرءوف الرحيما". وجاء على الصواب في القرطبي ٢: ١٤٥، وأبي حيان ١: ٤٢٧، وفيهما خطأ آخر، الأول فيه"يقاتل"، والثاني"يقابل"، وكأن هذا البيت من شعر الوليد بن عقبة، الذي كتب به إلى معاوية يحض معاوية على قتال علي رضي الله عنهما. وهي في أنساب الأشراف: ١٤٠، وتاريخ الطبري ٥: ٢٣٦-٢٣٧، وحماسة البحتري: ٣٠، واللسان (حلم) وغيرها، وليس فيها هذا البيت، وكأنه قبل البيت الذي يقول فيه: لَكَ الْوَيْلاتُ! أَقْحِمْهَا عَلَيْهِمْ ... فخيرُ الطَّالبي التِّرَةِ الغَشُومُ
وقوله: "لا تكنه"، دعاء له، واستنكار أن يكون كهذا الطالب الثائر الذي يطالب بدم عمه، وهو رؤوف رحيم بعدوه وقاتل عمه، وهو شر طالب ثأر.

<<  <  ج: ص:  >  >>