للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليكما أنه أراد: ثم السلام عليكما، وادِّعائه أن إدخال الاسم في ذلك وإضافتَه إلى السلام إنما جاز، إذْ كان اسم المسمَّى هو المسمَّى بعينه.

ويُسأل القائلون قولَ من حكينا قولَه هذا، فيقال لهم: أتستجيزون في العربية أن يقال: "أكلتُ اسمَ العسل يعني بذلك: أكلت العسل، كما جاز عندكم: اسم السلام عليك، وأنتم تريدون: السلامُ عليك؟

فإن قالوا: نعم! خرجوا من لسان العرب، وأجازوا في لغتها ما تخطِّئه جميع العرب في لغتها. وإن قالوا: لا سئلوا الفرقَ بينهما: فلن يقولوا في أحدهما قولا إلا أُلزموا في الآخر مثله.

فإن قال لنا قائل: فما معنى قول لبيد هذا عندك؟

قيل له: يحتمل ذلك وجهين، كلاهما غير الذي قاله من حكينا قوله.

أحدُهما: أن "السلام" اسمٌ من أسماء الله، فجائز أن يكون لبيد عنَى بقوله: "ثم اسم السلام عليكما"، ثم الزما اسمَ الله وذكرَه بعد ذلك، وَدَعَا ذكري والبكاءَ عليّ؛ على وجه الإغراء. فرفعَ الاسم، إذْ أخّر الحرفَ الذي يأتي بمعنى الإغراء. (١) وقد تفعَلُ العرب ذلك، إذا أخّرت الإغراء وقدمت المُغْرَى به، وإن كانت قد تنصبُ به وهو مؤخَّر. ومن ذلك قول الشاعر:

يَا أَيُّها المائحُ دَلوِي دُونَكا! ... إني رأيتُ النَّاس يَحْمدُونَكا! (٢)

فأغرَى ب "دونك"، وهي مؤخرة، وإنما معناه: دونَك دلوي. فذلك قول لبيد:

* إلى الحوْلِ، ثمَّ اسمُ السَّلامُ عَلَيْكُمَا *

يعني: عليكما اسمَ السلام، أي: الزما ذكر الله ودعا ذكري والوجدَ بي، لأن من بكى حَوْلا على امرئ ميّت فقد اعتذر. فهذا أحد وجهيه.


(١) في المطبوعة: "إذا وأخر". وقوله "فرفع الاسم"، يعني ما في قول لبيد "ثم اسم"، وكان حقه أن ينصب على الإغراء لو قال: "ثم عليكما اسم السلام" بتقديم الإغراء.
(٢) هذا رجز في خبر طويل، الخزانة ٣: ١٧ قيل هزءًا برجل ألقوه في بئر ثم رجزوا به. والمائح: هو الرجل الذي ينزل إلى قرار البئر إذا قل ماؤها، فيلقي الدلاء فيملؤها بيده ويميح لأصحابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>