يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا أيها الناس نوحا إلى خلقنا، وإبراهيم خليله إليهم رسولا (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) ، وكذلك كانت النبوّة في ذرّيتهما، وعليهم أنزلت الكتب: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، وسائر الكتب المعروفة (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ) يقول: فمن ذرّيتهما مهتد إلى الحقّ مستبصر، (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ) يعني: من ذرّيتهما (فَاسِقُونَ) يعني ضُلال، خارجون عن طاعة الله إلى معصيته.
يقول تعالى ذكره: ثم أتبعنا على آثارهم برسلنا الذين أرسلناهم بالبينات على آثار نوح وإبراهيم برسلنا، وأتبعنا بعيسى ابن مريم، (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) يعني: الذين اتبعوا عيسى على منهاجه وشريعته، (رَأْفَةٌ) وهو أشدّ الرحمة، (وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا) يقول: أحدثوها (مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ) يقول: ما افترضنا تلك الرهبانية عليهم، (إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ) يقول: لكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) .
واختلف أهل التأويل في الذين لم يرعوا الرهبانية حقّ رعايتها، فقال بعضهم: هم الذين ابتدعوها، لم يقوموا بها، ولكنهم بدّلوا وخالفوا دين الله الذي بعث به عيسى، فتنصروا وتهوّدوا.