وأولى الأقوال بالصواب إن يقال: إن الله عزّ وجلّ مثل هؤلاء الكفار من أهل الكتاب مما هو مذيقهم من نكاله بالذين من قبلهم من مكذّبي رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، الذين أهلكهم بسخطه، وأمر بني قينقاع ووقعة بدر، كانا قبل، جلاء بني النضير، وكلّ أولئك قد ذاقوا وبال أمرهم، ولم يخصص الله عز وجلّ منهم بعضًا في تمثيل هؤلاء بهم دون بعض، وكلّ ذائق وبال أمره، فمن قربت مدته منهم قبلهم، فهم ممثلون بهم فيما عُنُوا به من المثل.
وقوله:(ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ) يقول: نالهم عقاب الله على كفرهم به.
وقوله:(وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) يقول: ولهم في الآخرة مع ما نالهم في الدنيا من الخزي عذاب أليم، يعني: موجع.
يقول تعالى ذكره: مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضير، النصرة إن قوتلوا، أو الخروج معهم إن أُخرجوا، ومثل النضير في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد، وإسلامهم إياهم عند شدّة حاجتهم إليهم، وإلى نُصرتهم إياهم، كمثل الشيطان الذي غرّ إنْسانًا، ووعده على اتباعه وكفره بالله، النصرة عند الحاجة إليه، فكفر بالله واتبعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نُصرته أسلمه وتبرأ منه، وقال له:(إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) في نُصرتك.
وقد اختلف أهل التأويل في الإنسان الذي قال الله جلّ ثناؤه (إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ) هو إنسان بعينه، أم أريد به المثل لمن فعل الشيطان ذلك به، فقال بعضهم: عُنِي بذلك إنسان بعينه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا شعبة، عن أَبي إسحاق، قال: سمعت عبد الله بن نهيك، قال: سمعت عليًا رضي الله عنه يقول: إن راهبًا تعبَّد ستين سنة، وأن الشيطان أراده فأعياه، فعمد إلى