للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصفا والمروة، فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك - فقالوا: يا رسول الله إذا كنا نتحرج أن نَطُوف بين الصفا والمروة - أنزل الله تعالى ذكره:"إنّ الصفا والمروَة من شعائر الله فمن حَجّ البيتَ أو اعتمرَ فلا جُناح عليه أن يطَّوَّف بهما". قالت عائشة: ثم قد سَن رَسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يَترك الطواف بَينهما. (١)

٢٣٥١- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان رجالٌ من الأنصار مِمَّن يُهلُّ لمناةَ في الجاهلية -و"مناةُ" صنمٌ بين مكة والمدينة- قالوا: يا نبيّ الله، إنا كنا لا نطوفُ بين الصفا والمروة تعظيمًا لمناة، فهل علينا من حَرَج أن نَطوف بهما؟ فأنزل الله تعالى ذكره:"إنّ الصفا والمروةَ من شعائر الله فمن حج البيتَ أو اعتمرَ فلا جناح عليه أن يطوف بهما". قال عروة: فقلت لعائشة: ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة! قال الله:"فلا جُناح عليه". قالت: يا ابن أختي، ألا ترى أنه يقول:"إن الصفا والمروة من شَعائر الله"! قال الزهري: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال: هذا العلم! قال أبو بكر: ولقد سمعتُ رجالا من أهل العلم يقولون: لما أنزل الله الطوافَ بالبيت ولم يُنزل الطواف بين الصفا والمروة، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نطوفُ في الجاهلية بين الصفا والمروة، وإنّ الله قد ذكر الطواف بالبيت ولم يذكر الطوافَ بين الصفا والمروةَ، فهل علينا من حرج أن لا نَطوفَ بهما؟ فأنزل الله تعالى ذكره:"إنّ الصفا والمروةَ من شعائر الله" الآية كلها، قال أبو بكر: فأسمعُ أن هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما، فيمن طَافَ وفيمن لم يَطُف. (٢)


(١) الحديث: ٢٣٥٠- عقيل- بضم العين: هو ابن خالد الأيلي، وهو ثقة ثبت حجة، قال ابن معين: "أثبت من روى عن الزهري: مالك، ثم معمر، ثم عقيل". مترجم في التهذيب، والكبير ٤/١/٩٤، وابن أبي حاتم ٣/٢/٤٣.
عروة بن الزبير بن العوام: تابعي ثقة فقيه عالم ثبت مأمون، قال أبو الزناد: "كان فقهاء أهل المدينة أربعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان". وأمه أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر الصديق، وعائشة أم المؤمنين خالته، رضي الله عنهم. مترجم في التهذيب، والكبير ٤/١/٣١-٣٢، وابن سعد ٢/٢/١٣٤-١٣٥، و ٥: ١٣٢-١٣٥، وابن أبي حاتم ٣/١/٣٩٥-٣٩٦، وتذكرة الحفاظ ١: ٥٨-٥٩، وتاريخ الإسلام ٣: ٣١-٣٤.
والحديث -من هذا الوجه- رواه مسلم ١: ٣٦٢، من طريق عقيل، عن ابن شهاب، وهو الزهري ولم يذكر لفظه كله، إحالة على روايات قبله.
ورواه البخاري ٣: ٣٩٧-٤٠١، مطولا، من طريق شعيب، عن الزهري، باللفظ الذي هنا، إلا خلافًا في أحرف يسيرة: "فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا. . . أنزل الله. . . " ففي البخاري: "فلما أسلموا سألوا. . . قالوا. . . فأنزل الله. . . ". ولكن زاد البخاري في آخره قول الزهري أنه ذكر ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن - الذي سيأتي في الرواية التالية لهذه، بنحو معناه.
وثبت من أوجه كثيرة، عن الزهري، عن عروة، مطولا ومختصرًا:
فرواه مالك في الموطأ، ص: ٣٧٣، عن هشام بن عروة، عن أبيه. ورواه البخاري ٨: ١٣٢. وابن أبي داود في المصاحف، ص ١٠٠ -ولم يذكر لفظه- كلاهما من طريق مالك.
ورواه أحمد في المسند ٦: ١٤٤، ٢٢٧ (حلبي) ، من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري. وكذلك رواه ابن أبي داود، ص: ١٠٠ -ولم يذكر لفظه- من طريق إبراهيم بن سعد.
ورواه مسلم مطولا ١: ٣٦١-٣٦٢، من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري. وكذلك رواه البخاري ٨: ٤٧٢، من طريق سفيان. ولكنه اختصره جدًا.
ورواه مسلم وابن أبي داود - قبل ذلك وبعده: من أوجه كثيرة.
وذكره السيوطي ١: ١٥٩، وزاد نسبته إلى أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن الأنباري في المصاحف، وابن أبي حاتم، والبيهقي في السنن.
وانظر الحديث التالي لهذا.
قوله"يهلون لمناة": أي يحجون. ومناة، بفتح الميم والنون الخفيفة: صنم كان في الجاهلية. وقال ابن الكلبي: كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي لهذيل، وكانوا يعبدونها. والطاغية: صفة لها إسلامية. قاله الحافظ في الفتح.
"المشلل": بضم الميم وفتح الشين المعجمة ولامين، الأولى مفتوحة مثقلة، هي الثنية المشرفة على قديد، وقديد، بضم القاف ودالين مهملتين، مصغرًا: قرية جامعة بين مكة والمدينة، كثيرة المياه. عن الفتح.
(٢) الحديث: ٢٣٥١- هو تكرار للحديث السابق بمعناه، من وجه آخر صحيح، عن الزهري. وفيه زيادة قول الزهري أنه ذكر ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، إلخ. وهذه الزيادة ذكرها البخاري، في روايته من طريق شعيب عن الزهري، كما قلنا آنفًا.
ورواية معمر عن الزهري - هذه: ذكر البخاري بعضها تعليقًا ٨: ٤٧٢، فقال: "قال معمر عن الزهري. . . ". وقال الحافظ: "وصله الطبري، عن الحسن بن يحيى، عن عبد الرزاق، مطولا". فهذه إشارة إلى الرواية التي هنا، وأشار إليها في الفتح ٣: ٣٩٩، وذكر أنه وصلها أحمد وغيره.
وقد رواها أيضًا ابن أبي داود في المصاحف، ص: ١٠٠، عن"خشيش بن أصرم، والحسن بن أبي الربيع، أن عبد الرزاق أخبرهم عن معمر. . . ". ولم يسق لفظ الحديث، إحالة على ما قبله. و"خشيش": بضم الخاء وفتح الشين وآخره شين، معجمات كلها. و"الحسن بن أبي الربيع": هو"الحسن بن يحيى" شيخ الطبري، كنية أبيه"أبو الربيع". وخلط المستشرق طابع كتاب المصاحف: فكتب"حشيش" بالحاء المهملة! وكتب"الحسن بن أبي الربيع بن عبد الرزاق"!!
و"أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام" المخزومي القرشي المدني: من كبار التابعين الأئمة، ومن سادات قريش. وهو أحد الفقهاء السبعة. مترجم في التهذيب، والكنى للبخاري، رقم: ٥١، وابن سعد ٢/٢/١٣٣، و ٥: ١٥٣-١٥٤، وتذكرة الحفاظ ١: ٥٩-٦٠، وتاريخ الإسلام ٤: ٧٢-٧٣.
وقول أبي بكر بن عبد الرحمن"فأسمع أن هذه الآية نزلت. . . " - إلخ: هو في رواية البخاري أيضًا ٣: ٤٠١، وقال الحافظ: "كذا في معظم الروايات، بإثبات الهمزة وضم العين، بصيغة المضارعة للمتكلم. وضبطه الدمياطي في نسخته [يعني من صحيح البخاري] بالوصل وسكون العين. بصيغة الأمر، والأول أصوب، فقد وقع في رواية سفيان المذكورة: فأراها نزلت. وهو بضم الهمزة، أي أظنها".
وانظر كثيرًا من طرق هذا الحديث أيضًا، في السنن الكبرى للبيهقي ٥: ٩٦-٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>