والصواب من القول في ذلك عندنا، أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقد اختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك، فقال بعض الكوفيين: هما لغتان، يقال: دبر النهار وأدبر، ودبر الصيف وأدبر، قال: وكذلك قَبل وأقبل؛ فإذا قالوا: أقبل الراكب وأدبر لم يقولوه إلا بالألف. وقال بعض البصريين: (واللَّيْل إذَا دَبَرَ) يعني: إذا دبر النهار وكان في آخره؛ قال: ويقال: دبرني: إذا جاء خلفي، وأدبر: إذا ولَّى.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان بمعنى، وذلك أنه محكيّ عن العرب: قبح الله ما قَبِل منه وما دبر. وأخرى أن أهل التفسير لم يميزوا في تفسيرهم بين القراءتين، وذلك دليل على أنهم فعلوا ذلك كذلك، لأنهما بمعنى واحد.
وقوله: (وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ) يقول تعالى ذكره: والصبح إذا أضاء.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ) إذا أضاء وأقبل (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) يقول تعالى ذكره: إن جهنم لإحدى الكبر، يعني: الأمور العظام.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) يعني: جهنم.
حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) قال: جهنم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) قال: هذه النار.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) قال: هي النار.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) يعني: جهنم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) يعني جهنم.
وقوله: (نَذِيرًا لِلْبَشَرِ) يقول تعالى ذكره: إن النار لإحدى الكبر، نذيرا لبنى آدم.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (نَذِيرًا لِلْبَشَرِ) ، وما الموصوف بذلك، فقال بعضهم: عُنِيَ بذلك النار، وقالوا: هي صفة للهاء التي في قوله (إنها) وقالوا: هي النذير، فعلى قول هؤلاء النذير نصب على القطع من إحدى الكبر؛ لأن إحدى