للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَرى الذين ظلموا عذابَ الله، لأن القوة لله جميعًا، وأن الله شديد العذاب، لعلمت مبلغ عذاب الله. ثم تحذف"اللام"، فتفتح بذلك المعنى، لدلالة الكلام عليها.

* * *

وقرأ ذلك آخرون من سَلف القراء:"ولو تَرى الذين ظَلموا إذ يرون العذاب إن القوة لله جميعًا وإن الله شديدُ العذاب". بمعنى: ولو ترى، يا محمد، الذين ظلموا حين يعاينون عذابَ الله، لعلمت الحال التي يصيرون إليها. ثم أخبر تعالى ذكره خبرًا مبتدأ عن قدرته وسلطانه، بعد تمام الخبر الأول فقال:"إن القوة لله جميعًا" في الدنيا والآخرة، دون من سواه من الأنداد والآلهة،"وإن الله شديد العذاب" لمن أشرك به، وادعى معه شُركاء، وجعل له ندًا.

* * *

وقد يحتمل وجهًا آخر في قراءة من كسر"إن" في"ترى" بالتاء. وهو أن يكون معناه: ولو ترَى، يا محمد الذين ظلموا إذ يرون العذابَ يقولون: إنّ القوة لله جميعًا وإنّ الله شديد العذاب. ثمّ تحذفُ"القول" وتَكتفي منه بالمقول.

* * *

وقرأ ذلك آخرون:"ولو يَرَى الذين ظلموا" بالياء"إذ يَرَون العذاب أن القوة لله جميعًا وأن الله شَديدُ العذاب" بفتح"الألف" من"أنّ""وأنّ"، بمعنى: ولو يرى الذين ظلموا عذابَ الله الذي أعد لهم في جهنم، لعلموا حين يَرونه فيعاينونه أن القوة لله جميعًا وأن الله شديد العذاب، إذ يرون العذاب. فتكون"أن" الأولى منصوبة لتعلقها بجواب"لو" المحذوف، ويكون الجواب متروكًا، وتكون الثانية معطوفة على الأولى. وهذه قراءة عامة القرّاء الكوفيين والبصريين وأهل مكة.

* * *

وقد زعم بعض نحويي البصرة أنّ تأويل قراءة من قرأ:"ولو يَرَى الذين ظلموا إذ يرون العذابَ أن القوة لله جميعًا وأن الله شديد العذاب" بالياء في"يرى" وفتح"الألفين" في"أن""وأن"-: ولو يعلمون، (١) لأنهم لم يكونوا علموا قدر ما يعاينون من العذاب. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عَلم، فإذا قال:"ولو ترى"، فإنما يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم.

ولو كسر"إنّ" على الابتداء، إذا قال:"ولو يرى" جاز، لأن"لو يرى"، لو يعلم.

وقد تكون"لو" في معنى لا يَحتاج معها إلى شيء. (٢) تقول للرجل:"أمَا وَالله لو يعلم، ولو تعلم" (٣) كما قال الشاعر: (٤)

إنْ يكُنْ طِبَّكِ الدّلالُ، فلَوْ فِي ... سَالِفِ الدَّهْرِ والسِّنِينَ الخَوَالِي! (٥)


(١) يريد أن"يرى" بمعنى: يعلم. وقاله أبو عبيدة في مجاز القرآن: ٦٢.
(٢) في المطبوعة: "وقد تكون"لو يعلم" في معنى لا يحتاج. . . "، والصواب حذف"يعلم" فإنه أراد"لو" وحدها، وذلك ظاهر في استدلاله بعد.
(٣) في المطبوعة: "لو يعلم" في الموضعين، والصواب جعل إحداهما بالياء. والأخرى بالتاء.
(٤) هو عبيد بن الأبرص.
(٥) ديوانه: ٣٧، من قصيدة جيدة يعاتب امرأته وقد عزمت على فراقه، وقبله: تلكَ عِرْسِي تَرُومُ قِدْمًا زِيَالِي ... أَلِبَيْنٍ تُرِيد أَمْ لِدَلاَلِ?
والزيال: المفارقة. وقوله: "طبك"، أي شهوتك وإرادتك وبغيتك. يقول لها: إن كنت الدلال على تبغين وترومين، فقد مضى حين ذلك، أيام كنا شبابًا في سالف دهرنا وليالينا الخوالي! إذ-: أنْت بَيْضَاءُ كالمهاة، وإِذْا ... آتِيكِ نَشْوَانَ مُرْخِيًا أَذْيالِي

<<  <  ج: ص:  >  >>