وقال آخرون: بل الذين أحرقتهم النار هم الكفار الذين فتنوا المؤمنين.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن عمار، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: كان أصحاب الأخدود قومًا مؤمنين اعتزلوا الناس في الفترة، وإن جبارًا من عَبَدَة الأوثان أرسل إليهم، فعرض عليهم الدخول في دينه، فأبوا، فخدّ أخدودًا، وأوقد فيه نارًا، ثم خيرهم بين الدخول في دينه، وبين إلقائهم في النار، فاختاروا إلقاءهم في النار، على الرجوع عن دينهم، فألقوا في النار، فنجَّى الله المؤمنين الذين ألقوا في النار من الحريق، بأن قبض أرواحهم قبل أن تمسهم النار، وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم، فذلك قول الله:(فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ) في الآخرة (وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) في الدنيا.
واختُلف في موضع جواب القسم بقوله:(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) فقال بعضهم: جوابه: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: وقع القسم هاهنا (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) . وقال بعض نحويي البصرة: موضع قسمها - والله أعلم - على (قتل أصحاب الأخدود) ، أضمر اللام كما قال:(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ... قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) يريد: إن شاء الله لقد أفلح من زكَّاها، فألقى اللام، وإن شئت قلت على التقديم، كأنه قال: قتل أصحاب الأخدود، والسماء ذات البروج.
وقال بعض نحويي الكوفة: يقال في التفسير: إن جواب القسم في قوله: (قُتِلَ) كما كان قسم (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) في قوله: (قَدْ أَفْلَحَ) هذا في التفسير، قالوا: ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام يستقبل بها أو "لا" أو "إن" أو "ما"، فإن يكن ذلك كذلك، فكأنه مما ترك فيه الجواب، ثم استؤنف موضع الجواب بالخبر، كما قيل:" يأَيُّهَا الإنسان " في كثير من الكلام.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: جواب القسم في ذلك متروك، والخبر مستأنف؛ لأن علامة جواب القسم لا تحذفها العرب من الكلام إذا أجابته.