قال أبو جعفر:(١)"والأسباب"، الشيء يُتعلَّقُ به. قال: و"السبب" الحبل."والأسباب" جمع"سَبب"، وهو كل ما تسبب به الرجل إلى طَلبِته وحاجته. فيقال للحبل"سبب"، لأنه يُتسبب بالتعلق به إلى الحاجة التي لا يوصل إليها إلا بالتعلق به. ويقال للطريق"سبب"، للتسبب بركوبه إلى ما لا يدرك إلا بقطعه. وللمصاهرة"سبب"، لأنها سَببٌ للحرمة. وللوسيلة"سَبب"، للوصول بها إلى الحاجة، وكذلك كل ما كان به إدراك الطلبة، فهو"سبب" لإدراكها.
فإذْ كان ذلك كذلك، فالصواب من القول في تأويل قوله:"وتقطعت بهم الأسباب" أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ أن الذين ظلموا أنفسهم -من أهل الكفر الذين ماتوا وهم كفار- يتبرأ = عند معاينتهم عذابَ الله = المتبوعُ من التابع، وتتقطع بهم الأسباب.
وقد أخبر تعالى ذكره في كتابه أن بَعضهم يلعنُ بعضًا، وأخبر عن الشيطان أنه يقول لأوليائه:(مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ)[سورة إبراهيم: ٢٢] ، وأخبر تعالى ذكره أنّ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، وأن الكافرين لا ينصر يومئذ بعضهم بعضًا، فقال تعالى ذكره:(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ)[سورة الصافات:٢٤-٢٥] وأنّ الرجل منهم لا ينفعه نسيبه ولا ذو رحمه، وإن كان نسيبه لله وليًّا، فقال تعالى ذكره في ذلك:(وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)[سورة التوبة: ١١٤] وأخبر تعالى ذكره أنّ أعمالهم تَصيرُ عليهم حسرات.
وكل هذه المعاني أسباب يتسبب في الدنيا بها إلى مطالب، فقطع الله منافعها في الآخرة عن الكافرين به، لأنها كانت بخلاف طاعته ورضاه، فهي منقطعة
(١) من أول هذه الفقرة، كلام أبي جعفر، وأخشى أن يكون سقط شيء قبله. وهذا الابتداء على كل حال، جار على غير النهج الذي سار عليه كتابه من قبل ومن بعد.