ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله:(فَلا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ) فقال بعضهم: هذا إخبار من الله نبيه عليه الصلاة والسلام أنه يعلمه هذا القرآن ويحفظه عليه، ونهي منه أن يعجل بقراءته كما قال جلّ ثناؤه:(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن؛ قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى) قال: كان يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى، فقال قائلو هذه المقالة: معنى الاستثناء في هذا الموضع على النسيان، ومعنى الكلام: فلا تنسى، إلا ما شاء الله أن تنساه، ولا تذكُرَه، قالوا: ذلك هو ما نسخه الله من القرآن، فرفع حكمه وتلاوته.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى) كان صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئًا (إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ) .
وقال آخرون: معنى النسيان في هذا الموضع: الترك؛ وقالوا: معنى الكلام: سنقرئك يا محمد فلا تترك العمل بشيء منه، إلا ما شاء الله أن تترك العمل به، مما ننسخه.
وكان بعض أهل العربية يقول في ذلك: لم يشأ الله أن تنسى شيئًا، وهو كقوله:(خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ) ولا يشاء. قال: وأنت قائل في الكلام: لأعطينك كلّ ما سألت إلا ما شئت، وإلا أن أشاء أن أمنعك، والنية أن لا تمنعه، ولا تشاء شيئًا. قال: وعلى هذا مجاري الأيمان، يستثنى فيها، ونية الحالف: اللمام.
والقول الذي هو أولى بالصواب عندي قول من قال: معنى ذلك: فلا تنسى إلا أن نشاء نحن أن نُنسيكه بنسخه ورفعه.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن ذلك أظهر معانيه.
وقوله:(إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى) يقول تعالى ذكره: إن الله يعلم الجهر