للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن قتادة، قال: قد وقع القسم ها هنا (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) وقد ذكرتُ ما تقول أهل العربية في ذلك فيما مضى من نظائره قبل.

وقوله: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) يقول تعالى ذكره: وقد خاب في طِلبته، فلم يُدرك ما طلب والتمس لنفسه مِن الصلاح مَنْ دساها يعني: من دَسَّس الله نفسه فأَخْمَلها، ووضع منها، بخُذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصِيَ، وترك طاعة الله. وقيل: دسَّاها وهي دَسَّسها، فقُلبت إحدى سيناتها ياء، كما قال العجَّاج:

تَقَضِّيَ الْبازِي إذا البازِي كَسَرْ (١)

يريد: تَقَضُّض. وتظنَّيت هذا الأمر، بمعنى: تظننت، والعرب تفعل ذلك كثيرا، فتبدل في الحرف المشدّدة بعض حروفه، ياء أحيانا، وواوا أحيانا؛ ومنه قول الآخر:

يَذْهَبُ بِي فِي الشِّعْرِ كُلَّ فَنَّ ... حتى يَرُدَّ عَنِّي التَّظَنِّي (٢)

يريد: التظنن.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) يقول: وقد خاب من دَسَّى اللهُ نَفسَه فأضلَّه.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) يعني: تكذيبها.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد وسعيد بن جُبير (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) قال أحدهما: أغواها، وقال الآخر: أضلَّها.


(١) لم أعرف نسبة البيت، وأخشى أن يكون من أبيات ودقة الأسدي يقولها لمعن بن زائدة. أمالي المرتضى ١: ١٦٠.
(٢) نسبه المفضل بن سلمة في الفاخر: ٢٥٣، وقال: "أول من قال ذلك طرفة بن العبد، في شعر يعتذر فيه إلى عمرو بن هند"، وليس في ديوانه، وانظر أمثال الميداني ٢: ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>