للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونعيقِه بها. فأضيف"المثل" إلى الذين كفروا، وترك ذكر"الوعظ والواعظ"، لدلالة الكلام على ذلك. كما يقال:"إذا لقيت فلانًا فعظِّمه تعظيمَ السلطان"، يراد به: كما تعظم السلطانَ، وكما قال الشاعر:

فَلَسْتُ مُسَلِّمًا مَا دُمْتُ حَيًّا ... عَلَى زَيْدٍ بِتَسْلِيمِ الأمِير (١)

يراد به: كما يُسلِّم على الأمير.

وقد يحتمل أن يكون المعنى -على هذا التأويل الذي تأوله هؤلاء-: ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم عن الله وعن رسوله، كمثل المنعوق به من البهائم، الذي لا يَفقه من الأمر والنهي غير الصوت. وذلك أنه لو قيل له:"اعتلف، أورِدِ الماء"، لم يدر ما يقال له غير الصوت الذي يسمعه من قائله. فكذلك الكافر، مَثله في قلة فهمه لما يؤمر به وينهى عنه -بسوء تدبُّره إياه وقلة نظره وفكره فيه- مَثلُ هذا المنعوق به فيما أمِر به ونُهِي عنه. فيكون المعنى للمنعوق به، والكلام خارجٌ على الناعق، كما قال نابغة بني ذبيان:

وَقَدْ خِفْتُ، حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي ... عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي المَطَارَة عَاقِلِ (٢)

والمعنى: حتى مَا تزيدُ مخافة الوعل على مخافتي، وكما قال الآخر: (٣)


(١) مضى تخريج هذا البيت في هذا الجزء: ٢٨١ تعليق: ١، وهذا القول في تفسير الآية ذكره الفراء في معاني القرآن ١: ١٠٠.
(٢) ديوانه: ٩٠، وسيأتي في التفسير ٣٠: ١٤٦ (بولاق) ، ومجاز القرآن: ٦٥، ومعاني القرآن للفراء ١: ٩٩، ومشكل القرآن: ١٥١، والإنصاف: ١٦٤، وأمالي بن الشجرى ١: ٥٢، ٣٢٤، وأمال الشريف ١: ٢٠٢، ٢١٦، ومعجم ما استعجم: ١٢٣٨. وهو من قصيدة مضى منها تخريج بيت في هذا الجزء: ٢١٣. وقوله: "ذي المطارة" (بفتح الميم) ، وهو اسم جبل. وعاقل: قد عقل في رأس الجبل، لجأ إليه واعتصم به وامتنع. والوعل: تيس الجبل: يتحصن بوزره من الصياد. وقد ذكر البكري أنه رأى لابن الأعرابي أنه يعني بذي المطارة (بضم الميم) ناقته، وأنها مطارة الفؤاد من النشاط والمرح. ويعني بذلك: ما عليها من الرحل والأداة. يقول: كأني على رحل هذه الناقة وعلى عاقل من الخوف والفرق.
(٣) النابغة الجعدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>