للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تأوّل ذلك أنه بمعنى: مَثل الذين كفروا في ندائهم الآلهة ودُعائهم إياها.

* * *

فإن قال قائل: وما دليلك على أنّ المقصود بهذه الآية اليهود؟

قيل: دليلنا على ذلك مَا قبلها من الآيات وما بعدها، فإنهم هم المعنيون به. فكان ما بينهما بأن يكون خبرًا عنهم، أحق وأولى من أن يكون خبرًا عن غيرهم، حتى تأتي الأدلة واضحةً بانصراف الخبر عنهم إلى غيرهم. هذا، مع ما ذكرنا من الأخبار عَمن ذكرنا عنه أنها فيهم نزلت، والرواية التي روينا عن ابن عباس أنّ الآية التي قبل هذه الآية نزلت فيهم. (١) وبما قُلنا من أن هذه الآية معنيّ بها


(١) هذا موضع مشكل في كلام أبي جعفر رضي الله عنه، كان ينبغي أن يبينه فضل بيان. فإن صدر عبارته قاض بأن كل الآيات التي قبل هذه الآية نزلت في يهود، وليس كذلك. ثم عاد بعد قليل يقول: "هذا مع الرواية التي رويناها عن ابن عباس أن الآية التي قبل هذه الآية نزلت فيهم" -يعني في يهود. ولو كان الأمر كما يفهم من صدر عبارته، لم يكن لنصه بعد ذلك على أن الآية التي"قبل هذه الآية" نزلت فيهم، فيما روي عن ابن عباس- معنى مفهوم.
والظاهر أن أبا جعفر كان أراد أن يقول: إن الآيات السالفة نزلت في اليهود - إلا الآيات الأخيرة من أول قوله: "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار" إلى قوله: "وإلهكم إله وحد" (١٦٣-١٧٠) ، فهي قد نزلت في كفار العرب، وذكر ابن عباس أن الآية الأخيرة: (١٧٠) نزلت في يهود أيضًا. ثم إن الآيات بعدها هي ولا شك في يهود وأهل الكتاب، فلذلك حمل معنى الآية هذه أنه مراد به اليهود. فكأنه جعل الآيات من (١٦٣-١٦٩) اعتراضًا في سرد قصة واحدة، هي قصة يهود.
فإن لم يكن ذلك كذلك، فلست أدري كيف يتسق كلامه. فهو منذ بدأ في تفسير هذه الآيات من ١٦٣-١٦٩ لم يذكر إلا أهل الشرك وحدهم، وبين أن المقصود بقوله تعالى: "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبًا" - هم الذين حرموا على أنفسهم البحائر والسوائب والوصائل (ص ٣٠٠) ، ثم عاد في تأويل قوله تعالى: "وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" فقال: فهو ما كانوا يحرمون من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي (ص ٣٠٣) . واليهود، كما أنهم لم يكونوا أهل أوثان يعبدونها، أو أصنام يعظمونها كما قال أبو جعفر، فهم أيضًا لم يحرموا بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة كما ذكر في تفسير الآيات السالفة. فهذا تناقض منه ر حمه الله - إلا إذا حمل كلامه على استثناء الآيات التي ذكرت أنه فسرها على أنه مراد بها مشركوا العرب الذين حرموا على أنفسهم ما حرموا من البحائر والسوائب والوصائل.
والصواب من القول عندي، أن هذه الآية تابعة للآيات السالفة، وأن قصتها شبيهة بقصة ما قبلها في ذكر المشركين الذي قال الله لهم: "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبًا"، وأن العود إلى قصة أهل الكتاب هو من أول قوله تعالى: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب" والآيات التي تليها. وانظر ما سيأتي: ٣١٧، فإنه قد عاد هناك، فجعل الآية خاصة بالمشركين من أهل الجاهلية، بذكره ما حرموا على أنفسهم من المطاعم، وهو تناقض شديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>