للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: هذا لإيلاف قريش، صنعتُ هذا بهم لألفة قريش، لئلا أفرّق أُلفتهم وجماعتهم، وإنما جاء صاحب الفيل ليستبيد حريمهم، فصنع الله ذلك.

والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن هذه اللام بمعنى التعجب. وأن معنى الكلام: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة ربّ هذا البيت، الذي أطعهم من جوع، وآمنهم من خوف، فليعبدوا ربّ هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف. والعرب إذا جاءت بهذه اللام، فأدخلوها في الكلام للتعجب اكتفوا بها دليلا على التعجب من إظهار الفعل الذي يجلبها، كما قال الشاعر:

أغَرَّكَ أنْ قَالُوا لِقُرَّةَ شاعِرًا ... فيالأباهُ مِنْ عَرِيفٍ وَشَاعِرِ (١)

فاكتفى باللام دليلا على التعجب من إظهار الفعل، وإنما الكلام: أغرّك أن قالوا: اعجبوا لقرّة شاعرا، فكذلك قوله:

(لإيلافِ) .

وأما القول الذي قاله من حَكينا قوله، أنه من صلة قوله: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) فإن ذلك لو كان كذلك، لوجب أن يكون "لإيلاف" بعض "ألم تر"، وأن لا تكون سورة منفصلة من "ألم تر"، وفي إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامتان، كلّ واحدة منهما منصلة عن الأخرى ما يبين عن فساد القول الذي قاله من قال ذلك. ولو كان قوله: (لإيلافِ قُرَيْشٍ) من صلة قوله: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) لم تكن "ألم تر" تامَّة حتى توصل بقوله: (لإيلافِ قُرَيْشٍ) لأن الكلام لا يتمّ إلا بانقضاء الخبر الذي ذُكر.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (إلْفَهُمْ رِحْلَةَ الشتاءِ وَالصَّيْف) يقول: لزومهم.


(١) الأثر ١٨٤ - عبد الله بن كثير أبو صديف الآملي، شيخ الطبري: لم أعرف من هو، ولم أجد له ذكرًا، وأخشى أن يكون فيه تحريف. هاشم بن القاسم: هو ابو النضر - بالنون والصاد المعجمة - الحافظ الخراساني الإمام، شيخ الأئمة: أحمد وابن راهويه وابن المديني وابن معين وغيرهم.
حمزة بن المغيرة بن نشيط - بفتح النون وكسر الشين المعجمة - الكوفي العابد: ثقة، مترجم في التهذيب، وترجمه البخاري في الكبير ٢ / ١ / ٤٤، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٢١٤ - ٢١٥، وذكره ابن حبان في الثقات ٤٤٣، قال: "حمزة بن المغيرة العابد، من أهل الكوفة. يروي عن عاصم الأحول عن أبي العالية (اهدنا الصراط المستقيم) ، قال: هو النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه. روى عنه أبو النضر هاشم بن القاسم". ووقع هنا: في الأصول "حمزة بن أبي المغيرة". وهو خطأ من الناسخين.
عاصم: هو ابن سليمان الأحول، تابعي ثقة ثبت. أبو العالية: هو الرياحي - بكسر الراء وتخفيف الياء، واسمه: رفيع -بالتصغير- ابن مهران، من كبار التابعين الثقات، مجمع على توثيقه.
وهذا الأثر ذكره ابن كثير ١: ٥١ ونسبه أيضًا لابن أبي حاتم. والسيوطي ١: ١٥ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن عدي وابن عساكر. وأبو العالية لم يقله من قبل نفسه: فقد رواه الحاكم في المستدرك ٢: ٢٥٩ من طريق أبي النضر بهذا الإسناد إلى "أبي العالية عن ابن عباس". وقال: " هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. واختصره السيوطي ونسبه للحاكم فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>