(٢) هذه الفقرة رد على القول الأول، قول من ذهب إلى أن"الباغي" هو الخارج على الأئمة، وأن"العادي" هو قاطع الطريق، وأنهما لفعلهما ذلك مستثنيان من حكم الآية في الترخيص للمضطر أن يأكل مما حرم الله عليه. ولكن العبارة في الأصل فاسدة، لا يكاد يكون لها معنى. ولم أستجز أن أدعها في الأصل على ما هي عليه. وهكذا كانت في الأصل: [بل ذلك من فعلهما، وإن لم يؤدهما إلى محارم الله عليهما تحريمًا، فغير مرخص لهما ما كان عليهما قبل ذلك حراما] . وهو كلام لا يستقيم، وقد اجتهدت فرأيت أنه سقط من ناسخ كلامه سطر كامل فيما أرجح، بين قوله: "من قتل أنفسهما" وقوله: "قبل ذلك من فعلهما" فبقيت"قبل" وحدها، فجاء ناسخ آخر فلم يستبن معنى ما يكتب، فجعل"قبل""بل"، ظنًا منه أن ذلك يقيم المعنى على وجه من الوجوه. فاضطرب الكلام كما ترى اضطرابًا لا يخلص إلى شيء مفهوم. وزاده فسادًا واضطرابًا تصحيف قوله: "وإن لم نر ردهما" بما كتب: "وإن لم يؤدهما"، فخلص إلى كلام ضرب عليه التخليط ضربًا! وقد ساق الطبري في هذه الفقرة حجتين لرد قول من قال إن الباغي هو الخارج على الإمام، وإن العادي هو قاطع السبيل. فالحجة الأولى: أن الباغي والعادي، وإن كان كلاهما قد أتى فعلا محرمًا، فإن إتيان هذا الفعل المحرم، لا يجعل قتل أنفسهما مباحًا لهما، إذ هو محرم عليهما قبل إتيانهما ما أتيا من محارم الله عليهما. والحجة الأخرى: أن الله قد رخص لكل مضطر أن يأكل مما حرم عليه، فاستثناء الباغي والعادي من رخصة الله للمضطر. لا يعد عنده تحريمًا، بل هو رد إلى ما كان محرمًا عليهما قبل البغي أو العدوان. ومع ذلك فإن هذا الرد إلى ما كان محرمًا عليهما، وإن كان قد حرم عليهما ما كان مرخصًا لهما ولكل مضطر قبل البغي والعدوان، فإنه لا يرخص لهما قتل أنفسهما، وهو حرام عليهما قبل البغي والعدوان. وإذن، فالواجب عليهما أن يتوبا، لا أن يقتلا أنفسهما بالمجاعة، فيزدادان إثمًا إلى إثمهما، وخلافًا إلى خلافهما بالبغي والعدوان أمر الله.