للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال آخرون: معناه:"ذلك" معلومٌ لهم، بأن الله نزل الكتاب بالحق، لأنّا قد أخبرنا في الكتاب أنّ ذلك لهم، والكتابُ حَق.

كأن قائلي هذا القول كان تأويل الآية عندهم: ذلك العذاب = الذي قال الله تعالى ذكره، فما أصبرهم عليه = معلومٌ أنه لهم. لأن الله قد أخبر في مواضع من تنزيله أن النار للكافرين، وتنزيله حق، فالخبر عن"ذلك" عندهم مُضمر.

* * *

وقال آخرون: معنى"ذلك"، أن الله وصف أهل النار، فقال:"فما أصبرهم على النار"، ثم قال: هذا العذاب بكفرهم. و"هذا" هاهنا عندهم، هي التي يجوز مكانها"ذلك"، (١) كأنه قال: فعلنا ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق فكفروا به. قال: فيكون"ذلك" -إذا كان ذلك معناه- نصبًا، ويكون رفعًا بالباء.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بتأويل الآية عندي: أن الله تعالى ذكره أشار بقوله:"ذلك"، إلى جميع ما حواه قوله:"إنّ الذين يَكتمونَ مَا أنزلَ الله من الكتاب"، إلى قوله:"ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق"، من خبره عن أفعال أحبار اليهود، وذكره ما أعد لهم تعالى ذكره من العقاب على ذلك، فقال: هذا الذي فعلته هؤلاء الأحبارُ من اليهود = بكتمانهم الناسَ ما كتموا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته مع علمهم به، طلبًا منهم لعرَض من الدنيا خسيس -وبخلافهم أمري وطاعتي= وذلك -من تركي تطهيرَهم وتزكيتهم وتكليمهم، وإعدادي لهم العذاب الأليم- بأني أنزلت كتابي بالحق، فكفروا به واختلفوا فيه.

فيكون في"ذلك" حينئذ وجهان من الإعراب: رفعٌ ونصب. والرفع ب"الباء"، والنصب بمعنى: فعلت ذلك بأني أنزلت كتابي بالحق، فكفروا به واختلفوا فيه. وترك ذكر"فكفروا به واختلفوا"، اجتزاءً بدلالة ما ذكر من الكلام عليه.

* * *


(١) انظر ما سلف ١: ٢٢٥-٢٢٧ في بيان"ذلك"، و"هذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>