للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قال قائل: فكيف قيل:"ولكن البر من آمن بالله"، وقد علمت أن"البر" فعل، و"مَنْ" اسم، فكيف يكون الفعل هو الإنسان؟

قيل: إن معنى ذلك غيرَ ما توهمته، وإنما معناه: ولكنّ البرَّ برُّ من آمن بالله واليوم الآخر، (١) فوضع"مَنْ" موضع الفعل، اكتفاءً بدلالته، ودلالة صلته التي هي له صفةٌ، مَنْ الفعل المحذوف، كما تفعله العرب، فتضع الأسماء مواضع أفعالها التي هي بها مشهورة، فتقول:"الجود حاتم، والشجاعة عنترة"، و"إنما الجود حاتم والشجاعة عنترة"، ومعناها: الجُود جود حاتم فتستغني بذكر"حاتم" إذ كان معروفًا بالجود، من إعادة ذكر"الجود" بعد الذي قد ذكرته، فتضعه موضع"جوده"، لدلالة الكلام على ما حذفته، استغناء بما ذكرته عما لم تذكره. (٢) كما قيل: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا) [سورة يوسف: ٨٢] والمعنى: أهل القرية، وكما قال الشاعر، وهو ذو الخِرَق الطُّهَوي:

حَسِبْتَ بُغَامَ رَاحِلَتِي عَنَاقًا! ... وَمَا هي، وَيْبَ غَيْرِكَ بالعَنَاقِ (٣)

يريد: بُغَامَ عنَاق، أو صوتَ [عناق] ، (٤) كما يقال:"حسبت صياحي أخاك"، يعني به: حسبتَ صياحي صياحَ أخيك.

* * *

وقد يجوز أن يكون معنى الكلام: ولكن البارَّ مَنْ آمن بالله، فيكون"البر" مصدرًا وُضع موضعَ الاسم. (٥)

* * *


(١) في المطبوعة: "ولكن البر كمن آمن بالله" وهو خطأ محض، صوابه ما أثبت.
(٢) انظر ما سلف: ٢: ٦١، ٣٥٩ وهذا الجزء ٣: ٣٣٤.
(٣) سلف تخريجه في هذا الجزء ٣: ١٠٣ تعليق: ٣.
(٤) الزيادة بين القوسين لا بد منها.
(٥) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: ٦٥، وذكره الفراء في معاني القرآن ١: ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>