للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بتذكير، لم يقع بتأنيث. لأن من سُمي ب"أفعل" لم يصرف إلى"فُعلى"، ومن سُمي ب"فُعلى" لم يصرف إلى"أفعل"، لأن كل اسم يبقى بهيئته لا يصرف إلى غيره، ولكنهما لغتان. فإذا وقع بالتذكير، كان بأمر"أشأم"، وإذا وقع"البأساء والضراء"، (١) وقع: الخلة البأساء، والخلة الضراء. وإن كان لم يُبن على"الضراء"،"الأضر"، ولا على"الأشأم"،"الشأماء". لأنه لم يُردْ من تأنيثه التذكير، ولا من تذكيره التأنيث، كما قالوا:"امرأة حسناء"، ولم يقولوا:"رجل أحسن". وقالوا:"رجل أمرد"، ولم يقولوا:"امرأة مرداء". فإذا قيل:"الخصلة الضراء" و"الأمر الأشأم"، دل على المصدر، ولم يحتج إلى أن يكون اسمًا، وإن كان قد كَفَى من المصدر.

وهذا قول مخالفٌ تأويلَ من ذكرنا تأويله من أهل العلم في تأويل"البأساء والضراء"، وإن كان صحيحًا على مذهب العربية. وذلك أن أهل التأويل تأولوا"البأساء" بمعنى: البؤس،"والضراء" بمعنى: الضر في الجسد. وذلك من تأويلهم مبني على أنهم وجَّهوا"البأساءَ والضراء" إلى أسماء الأفعال، دون صفات الأسماء ونعوتها. فالذي هو أولى ب"البأساء والضراء"، على قول أهل التأويل، أن تكون"البأساء والضراء" أسماء أفعال، فتكون"البأساء" اسمًا"للبؤس"، و"الضراء" اسمًا"للضر".

* * *

وأما"الصابرين" فنصبٌ، وهو من نعت"مَن" على وجه المدح. (٢) لأن من شأن العرب -إذا تطاولت صفةُ الواحد- الاعتراضُ بالمدح والذم بالنصب أحيانًا، وبالرفع أحيانًا، (٣) كما قال الشاعر: (٤)


(١) يعني: إذا وقع بالتأنيث: وقع بمعنى: الخلة البأساء والخلة الضراء.
(٢) يريد"من" في قوله تعالى: "ولكن البر من آمن. . . "
(٣) انظر ما سلف ١: ٣٢٩.
(٤) لم أعرف قائله.

<<  <  ج: ص:  >  >>