كأن معنى الكلام كان عنده: وآتى المال على حبه ذَوي القربَى واليتامَى والمساكين، وابنَ السبيل والسائلينَ والصابرين في البأساء والضراء. وظاهرُ كتاب الله يدلّ على خطأ هذا القول، وذلك أنّ"الصابرين في البأساء والضراء"، هم أهل الزمانة في الأبدان، وأهلُ الإقتار في الأموال. وقد مضى وصف القوم بإيتاء -مَنْ كان ذلك صفته- المالَ في قوله:"والمساكينَ وابنَ السبيل والسائلين"، وأهل الفاقة والفقر، هم أهل"البأساء والضراء"، لأن من لم يكن من أهل الضراء ذا بأساء، لم يكن ممن له قبولُ الصدقة، وإنما له قبولها إذا كان جامعًا إلى ضرائه بأساء، وإذا جمع إليها بأساء، كان من أهل المسكنة الذين قد دخلوا في جملة"المساكين" الذين قد مضى ذكرهم قبل قوله:"والصابرين في البأساء". وإذا كان كذلك، ثم نصب"الصابرين في البأساء" بقوله"وآتى المال على حبه"، كان الكلام تكريرًا بغير فائدة معنى. كأنه قيل: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامَى والمساكينَ. والله يتعالى عن أن يكون ذلك في خطابه عبادَه. ولكن معنى ذلك: ولكنّ البر مَن آمن بالله واليوم الآخر، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء."والموفون" رفعٌ لأنه من صفة"مَنْ"، و"مَنْ" رفعٌ، فهو معرب بإعرابه."والصابرين" نصب -وإن كان من صفته- على وجه المدح الذي وصفنا قبل.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى:{وَحِينَ الْبَأْسِ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"وحين البأس"، والصابرين في وقت البأس، وذلك وَقت شدة القتال في الحرب، كما:-
٢٥٤٨- حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزيّ قال، حدثنا أبي قال،