للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسُقوط الفدية عنهم، وبين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم؛ وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت:"فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، فألزموا فرضَ صومه، وبطل الخيار والفديةُ.

* * *

فإن قال قائل: وكيف تدَّعي إجماعًا من أهل الإسلام = على أنّ من أطاق صومه وهو بالصفة التي وصفت، فغير جائز له إلا صومُه = وقد علمت قول من قال: الحامل والمرضعُ إذا خافتا على أولادهما، لهما الإفطار، وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما، مع الخبر الذي رُوي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي:

٢٧٩٢- حدثنا به هناد بن السري قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يَتغدَّى، فقال:" تعالَ أحدِّثك، إن الله وَضع عن المسافر والحامل والمرضع الصومَ وشَطرَ الصلاة"؟ (١)


(١) الحديث: ٢٧٩٢- قبيصة: هو ابن عقبة السوائي، مضت ترجمته: ٤٨٩، وأشرنا هناك إلى الكلام في روايته عن سفيان الثوري، وأنه غير مقبول، ونزيد هنا أن الشيخين أخرجا له في الصحيحين من روايته عن الثوري، كما في كتاب رجال الصحيحين، ص: ٤٢٢.
أبو قلابة - بكسر القاف وتخفيف اللام: هو عبد الله بن زيد الجرمي -بفتح الجيم وسكون الراء- أحد الأعلام الحفاظ من التابعين. مترجم في التهذيب، وابن سعد ٧/١/١٣٣-١٣٥. وابن أبي حاتم ٢/٢/٥٧-٥٨، ورجال الصحيحين: ٢٥١، وتذكرة الحفاظ ١: ٨٨-٨٩.
أنس - في هذا الحديث فقط: هو أنس بن مالك الكعبي، من بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان. وهو صحابي ليس له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد. وبعضهم يذكر في نسبته"القشيري" يذهبون إلى أن"قشيرًا" هو ابن كعب بن ربيعة. وهذا هو الثابت في بعض كتب الأنساب، مثل الاشتقاق لابن دريد، ص: ١٨١، وجمهرة الأنساب لابن حزم، ص: ٢٧١، ٢٧٢، وقلدهم الحافظ في التهذيب. ولكن البخاري قال في ترجمته في التاريخ الكبير ١/٢/٣٠: "وكعب إخوة قشير". وقال ابن أبي حاتم في ترجمته ١/٢/٢٨٦: "من بني عبد الله بن كعب، وكعب أخو قشير". وفي رواية أبي داود لهذا الحديث - كما سيأتي في التخريج إن شاء الله -: "عن أنس بن مالك، رجل من بني عبد الله بن كعب، إخوة بني قشير". وقال الحافظ في الإصابة ١: ٧٣"وهذا هو الصواب، وبذلك جزم البخاري في ترجمته. وعلى هذا فهو كعبي، لا قشيري ولأن قشيرًا هو ابن كعب، ولكعب ابن اسمه عبد الله. فهو من إخوة قشير، لا من قشير نفسه".
و"أنس بن مالك"- في الرواة، خمسة نفر: "أنس بن مالك" بن النضر الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو المراد في أكثر الأحاديث عند إطلاق اسم"أنس". ثم"أنس بن مالك الكعبي" - هذا الذي هنا. وهذان صحابيان. و"أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي"، "والد الإمام"مالك بن أنس"، وهو تابعي. ثم"أنس بن مالك الصيرفي"، شيخ خلاد بن يحيى. و"أنس بن مالك" شيخ لأبي داود الطيالسي. وهذان متأخران، يرويان عن التابعين. وقد ترجم ابن أبي حاتم لهؤلاء الخمسة. وترجم البخاري في الكبير الثلاثة الأول فقط. وذكرهم كلهم ابن الجوزي في تلقيح فهوم أهل الأثر، ص: ٣٢٠. وقال في شأن"الكعبي" هذا، وأشار إلى حدجيثه الذي هنا-: روى هذا الحديث الثوري، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس [يعني الكعبي] . وعند الثوري بهذا الإسناد عن أنس الأنصاري أحاديث".
وهذا حق. ولذلك كان إطلاق اسم"أنس" هنا غير مستساغ ممن أطلقه، سواء أكان الطبري أم أحد شيوخ الإسناد، لما فيه من الإيهام.
والحديث رواه البخاري في الكبير ١/٢/٣٠، عن قبيصة -شيخ هناد في هذا الإسناد- وعن محمد بن يوسف، كلاهما عن الثوري، به. موجزًا كعادته. وصرح في الإسناد بأنه"عن أنس بن مالك الكعبي".
ورواه النسائي ١: ٣١٥-٣١٦، عن عمر بن محمد بن الحسن -هو ابن التل- عن أبيه، عن الثوري، به، بلفظ: "إن الله وضع عن المسافر، يعني نصف الصلاة، والصوم، وعن الحامل والمرضع".
ورواه أحمد في المسند ٥: ٢٩ (حلبي) عن ابن علية، عن أيوب، قال: "كان أبو قلابة حدثني بهذ الحديث، ثم قال لي: هل لك في الذي حدثنيه؟ قال: فدلني عليه، فأتيته، فقال: حدثني قريب لي يقال له أني بن مالك. . ". فذكره بقصة في أوله.
ففي هذه الرواية أن بين أبي قلابة وأنس الكعبي رجلا مبهمًا هو الذي حدثه به عنه.
وكذلك ذكر البخاري أن بينهما رجلا: فرواه عقب ذاك، عن يحيى بن موسى، عن عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة"عن رجل من بني عامر: أن رجلا يقال له أنس حدثه: أنه قدم المدينى - نحوه".
وأنا أرى ترجيح رواية قبيصة ومحمد بن يوسف، التي ليس فيها الرجل المبهم، وقد تابعهما عليها محمد بن الحسن التل. فإن الثوري أحفظ من معمر ومن ابن علية معًا، وهو المقدم على من خالفه في الحفظ والإتقان.
وللحديث إسناد آخر، من وجه آخر. رواه أبو هلال محمد بن سليم الراسبي، عن عبد الله بن سوادة، عن أنس الكعبي، وهو إسناد جيد، بل صحيح، وأبو هلال الراسبي: ثقة لا بأس به. وعبد الله بن سوادة بن حنظلة القشيري: ثقة أيضًا.
فرواه أحمد في المسند ٤: ٣٤٧ (حلبي) ، عن وكيع، وعن عفان. ورواه عقبة ابنه عبد الله عن شيبان. ورواه أحمد أيضًا ٥: ٢٩ (حلبي) ، عن عبد الصمد. ورواه ابن سعد في الطبقات ٧/١/٣٠، عن وكيع وعفان. ورواه أبو داود: ٢٤٠٨، عن شيبان بن فروخ. ورواه الترمذي ٢: ٤٢، عن أبي كريب ويوسف بن عيسى، عن وكيع. ورواه ابن ماجه: ١٦٦٧، عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، عن وكيع. ورواه البيهقي ٤: ٢٣١، من طريق عبيد الله بن موسى، وأبي نعيم. كل هؤلاء وكيع، وعفان، وشيبان، وعبد الصمد، وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم - رووه عن أبي هلال الراسبي، عن عبد الله بن سوادة، عن أنس الكعبي، به مطولا، في قصة.
وهذا إسناد متصل بالسماع، لأن ابن سعد قال عقب روايته: "قال عفان في الحديث كله: حدثنا قال: حدثنا، إلى آخره". فهذا نص على سماع كل شيخ ممن قبله إلى الصحابي.
وقال الترمذي: "حديث أنس بن مالك الكعبي: حديث حسن. ولا نعرف لأنس بن مالك هذا، عن النبي صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث الواحد". ونقل الحافظ في التهذيب ١: ٣٧٩، عن الترمذي أنه"صححه". ولكن الذي في أيدينا من نسخ الترمذي قوله"حديث حسن" فقط. فتستفاد زيادة تصحيحه من نقل الحافظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>