وقال الطبري في أولهما: "هكذا قال هناد: عن مرثد، وإنما هو: عن أبي مرثد"! يعني أن شيخه في أولهما، وهو"هناد"، أخطأ في ذلك، ومن عجب أنه يرويه عقبه في الرواية الثانية، عن شيخ آخر، بإسناد آخر إلى أبي إسحاق -كرواية هناد، التي زعم أنه أخطأ فيها! وعندي أن أبا جعفر -رحمه الله- هو الذي وهم، أصاب الصواب فأخطأه: أما أولا: فلاتفاق روايين حافظين ثقتين، هما سفيان الثوري في الإسناد الأول، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي في الإسناد الثاني - كلاهما عن أبي إسحاق أنه"عن مرثد". وأما ثانيًا: فلأنا لا نعرف في الرواة من كنيته"أبو مرثد"، إلا"أبا مرثد الغنوي كناز بن الحصين"، وهو صحابي قديم الوفاة، مات سنة ١٢. إلا أن يكون الطبري يعرف راويًا آخر بهذه الكنية لم يصل إلينا خبره. وما أظن. وأبو ميسرة، صاحب الخبر في الروايتين: هو عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي، وهو تابعي كبير ثقة، من شيوخ أبي إسحاق السبيعي. مات سنة ٦٣، وشهد السبيعي جنازته. ولو شاء أبو إسحاق أن يروي هذا الخبر عنه دون واسطة، لما دفع عن ذلك، إذ عرف بالرواية عنه. ولكنه لم يشأ أن يدلس في خبر لم يشهده بنفسه، فرواه عمن شهده. وهو"مرثد". والراجح عندي: أنه"مرثد بن عبد الله اليزني"، وهو تابعي أقدم قليلا من السبيعي. مات مرثد سنة ٩٠. ومات السبعي -وهو تابعي أيضًا- سنة ١٢٦ أو بعدها بقليل. فعن هذا كله رجحت -بل استيقنت- أن أبا جعفر رحمه الله، هو الذي وهم.