للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يريد: يا جزءُ، وكما قال الآخر:

كَذَبْتُمْ وبيتِ الله لا تَنْكِحُونَهَا، ... بَني شَاب قَرْنَاها تَصُرُّ وتَحْلبُ (١)

يريد: يا بني شابَ قرْناها. وإنما أوْرطه في قراءة ذلك - بنصب الكاف من "مالك"، على المعنى الذي وصفتُ - حيرتهُ في توجيه قَوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وِجْهَته، مع جر (مالك يوم الدين) وخفضِه. فظنّ أنّه لا يصحّ معنى ذلك بعد جرِّه (مالك يوم الدين) ، فنصب: "مالكَ يوم الدين" ليكون (إياك نعبد) له خطابًا. كأنه أراد: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نَستعين. ولو كان عَلم تأويل أول السورة، وأن "الحمدُ لله رَبّ العالمين" أمرٌ من الله عبدَه بقيلِ ذلك - كما ذكرنا قبلُ من الخبر عن ابن عباس: أن جبريلَ قال للنبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى ذكره: قل يا محمد، (الحمدُ لله رب العالمين الرحمن الرحيم مَالكِ يوم الدين) ، وقل أيضًا يا محمد: (إياك نَعبد وإياك نَستعين) (٢) - وكان عَقَل (٣) عن العرب أنَّ من شأنها إذا حكَت أو أمرت بحكاية خبرٍ يتلو القولَ، أن تخاطب ثم تخبر عن غائب، وتخبرَ عن الغائب ثم تعودَ إلى الخطاب، لما في الحكاية بالقول من معنى الغائب والمخاطب، كقولهم للرجل: قد قلتُ لأخيك: لو قمتَ لقمتُ، وقد قلتُ لأخيك: لو قام لقمتُ (٤) - لسَهُل عليه مخرجُ ما استصعب عليه وجْهتُه من جر "مالك يوم الدين".


(١) نسبه في اللسان (قرن) ومجاز القرآن: ١٠٠ إلى رجل من بني أسد والبيت في سيبويه ١: ٢٩٥ / ٢: ٧، ٦٥، وهو شاهد مشهور. "وبني شاب قرناها" يعني قومًا، يقول: بني التي يقال لها: شاب قرناها، أي يا بني العجوز الراعية، لا هم لها إلا أن تصر، أي تشد الصرار على الضرع حتى تجتمع الدرة، ثم تحلب. وذلك ذم لها. والقرن: الضفيرة.
(٢) انظر: ١٥١، ١٥٥.
(٣) عطف على قوله: " ولو كان علم. . . ".
(٤) جواب " لو كان علم. . . وكان عقل ".

<<  <  ج: ص:  >  >>