للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومَرَضي عن فلان يراد به: جعلني أحبس نفسي عن ذلك. فأما إذا كان الحابس الرجلُ والإنسانُ، قيل:" حصرَني فلان عن لقائك"، بمعنى حبسني عنه.

فلو كان معنى الآية ما ظنه المتأوِّل من قوله:" فإن أحصِرْتم" فإن حبسكم حابس من العدوّ عن الوصول إلى البيت- لوجب أن يكون: فإن حُصِرْتم.

ومما يُبَيِّن صحةَ ما قلناه من أن تأويل الآية مرادٌ بها إحصارُ غير العدوّ وأنه إنما يراد بها الخوف من العدو، قولُه:" فإذا أمنتم فمن تمتع بالعُمْرة إلى الحج".

و" الأمنُ" إنما يكون بزوال الخوف. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الإحصار الذي عنى الله في هذه الآية، هو الخوف الذي يكون بزواله الأمنُ.

وإذ كان ذلك كذلك، لم يكن حَبسُ الحابس الذي ليس مع حَبْسه خوف على النفس من حبسه داخلا في حكم الآية بظاهرها المتْلوّ، وإن كان قد يُلحق حكمه عندنا بحكمه من وجه القياس من أجل أن حَبْس من لا خوف على النفس من حبسه، كالسلطان غير المخوفة عقوبته، والوالدِ، وزوج المرأة، (١) إن كان منهم أو من بعضهم حبس، ومنعٌ عن الشخوص لعمل الحج، أو الوصول إلى البيت بعد إيجاب الممنوع الإحرامَ، (٢) غيرُ داخل في ظاهر قوله:" فإذ أحصرتم لما وصفنا من أن معناه: فإن أحصركم خوفُ عدوّ- بدلالة قوله:" فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ " وقد بين الخبر الذي ذكرنا آنفا عن ابن عباس أنه قال: الحصر: حصر العدو.

وإذ كان ذلك أولى التأويلين بالآية لما وصفنا، وكان ذلك منعا من الوصول إلى البيت، فكل مانع عرض للمحرم فصده عن الوصول إلى البيت، فهو له نظير في الحكم.

* * *

قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل العلم في تأويل قوله:" فما استيسر من الهدي".


(١) في المطبوعة: "وإن كان. . . " والصواب حذف الواو.
(٢) قوله: "غير داخل" خبر قوله: "من أجل أن حبس من لا خوف على النفس من حبسه".

<<  <  ج: ص:  >  >>