للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنه قول الراجز:

* فَصُدَّ عَنْ نَهْجِ الصِّراطِ القَاصدِ (١) *

والشواهد على ذلك أكثرُ من أن تُحصى، وفيما ذكرنا غنًى عما تركنا.

ثم تستعيرُ العرب "الصراط" فتستعمله في كل قولٍ وعمل وُصِف باستقامة أو اعوجاج، فتصفُ المستقيمَ باستقامته، والمعوجَّ باعوجاجه.

والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي، أعني: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، أن يكونا معنيًّا به: وَفّقنا للثبات على ما ارتضيتَه ووَفّقتَ له مَنْ أنعمتَ عليه من عبادِك، من قولٍ وعملٍ، وذلك هو الصِّراط المستقيم. لأن من وُفّق لما وفق له من أنعم الله عليه من النبيِّين والصديقين والشهداء، فقد وُفّق للإسلام، وتصديقِ الرسلِ، والتمسكِ بالكتاب، والعملِ بما أمر الله به، والانزجار عمّا زَجره عنه، واتّباع منهج النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنهاج أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وكلِّ عبدٍ لله صالحٍ، وكل ذلك من الصراط المستقيم.

وقد اختلفتْ تراجمةُ القرآن في المعنيِّ بالصراط المستقيم (٢) . يشمل معاني جميعهم في ذلك، ما اخترنا من التأويل فيه.

ومما قالته في ذلك، ما رُوي عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال، وذكر القرآن، فقال: هو الصراط المستقيم.

١٧٤ - حدثنا بذلك موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا حسين الجُعْفي، عن حمزة الزيات، عن أبي المختار الطائي، عن ابن أخي الحارث، عن الحارث، عن عليّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم (٣) .


(١) رواه القرطبي في تفسيره ١: ١٢٨ "الصراط الواضح".
(٢) تراجمة القرآن: جمع ترجمان: وأراد المفسرين، وانظر ما مضى: ٧٠ تعليق: ١
(٣) الحديث ١٧٤ - إسناده ضعيف جدًا. موسى بن عبد الرحمن المسروقي: ثقة، روى عنه الترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، وغيرهم. مات سنة ٢٥٨، مترجم في التهذيب. حسين الجعفي: هو حسين بن علي بن الوليد، ثقة معروف، روى عنه أحمد، وابن معين، وغيرهم، بل روى عنه ابن عيينة وهو أكبر منه. وأخرج له أصحاب الكتب الستة. حمزة الزيات: هو حمزة بن حبيب، القارئ المعروف. وتكلم في رواية بعضهم، والحق أنه ثقة، وأخرج له مسلم في صحيحه. أبو المختار الطائي: قيل اسمه: سعد، وهو مجهول، جهله المديني وأبو زرعة. ابن أخي الحارث الأعور: أشد جهالة من ذلك، لم يسم هو ولا أبوه. عمه الحارث: هو ابن عبد الله الأعور الهمداني، وهو ضعيف جدا. وقد اختلف فيه العلماء اختلافا كثيرا، حتى وصفه الشعبي وغيره بأنه "كان كذابًا"، وقد رجحت في شرح الحديث ٥٦٥ وغيره من المسند أنه ضعيف جدا.
وأما متن الحديث: فقد رواه -بمعناه- ابن أبي حاتم، عن الحسن بن عرفة عن يحيى بن يمان عن حمزة الزيات، بهذا الإسناد، فيما نقل ابن كثير ١: ٥٠ ووقع فيه تحريف الإسناد هناك. وهو جزء من حديث طويل، في فضل القرآن - رواه الترمذي (٤: ٥١ - ٥٢ من تحفة الأحوذي) ، عن عبد بن حميد عن حسين الجعفي، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات، وإسناده مجهول، وفي حديث الحارث مقال". كذلك رواه الدارمي في سننه ٢: ٤٣٥ عن محمد بن يزيد الرفاعي عن حسين الجعفي. ونقله السيوطي ١: ١٥ ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في شعب الإيمان. وأشار إليه الذهبي في الميزان ٣: ٣٨٠ في ترجمة أبي المختار الطائي، قال: "حديثه في فضائل القرآن منكر". ونقله ابن كثير في الفضائل: ١٤ - ١٥ عن الترمذي، ونقل تضعيفه إياه، ثم قال: "لم ينفرد بروايته حمزة بن حبيب الزيات، بل قد رواه محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي عن الحارث الأعور. فبرئ حمزة من عهدته، على أنه وإن كان ضعيف الحديث، فإنه إمام في القراءة. والحديث مشهور من رواية الحارث الأعور، وقد تكلموا فيه، بل قد كذبه بعضهم من جهة رأيه واعتقاده، أما أنه تعمد الكذب في الحديث - فلا. وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح ".
وسيأتي ١٧٥، ١٧٦ بإسنادين آخرين، موقوفًا، من كلام علي رضي الله عنه.
ورواية ابن إسحاق -التي أشار إليها ابن كثير- هي حديث أحمد في المسند: ٥٦٥. عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق. وقد ضعفنا إسناده هناك، بالحارث الأعور، وبانقطاعه بين ابن إسحاق ومحمد بن كعب. وليس فيه الحرف الذي هنا، في تفسير "الصراط المستقيم".

<<  <  ج: ص:  >  >>