وأما قول عبد الرحمن بن الأسود:" لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام" فلأنه يحتمل أن يكون أراد: لم أجد أحدا يخبرني عن حد أوله ومنتهى آخره على حقه وصدقه. لأن حدود ذلك على صحتها حتى لا يكون فيها زيادة ولا نقصان، لا يحيط بها إلا القليل من أهل المعرفة بها. غير أن ذلك وإن لم يقف على حد أوله ومنتهى آخره وقوفا لا زيادة فيه ولا نقصان إلا من ذكرت، فموضع الحاجة للوقوف لا خفاء به على أحد من سكان تلك الناحية وكثير من غيرهم. وكذلك سائر مشاعر الحج، والأماكن التي فرض الله عز وجل على عباده أن ينسكوا عندها كعرفات ومنى والحرم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) }
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واذكروا الله أيها المؤمنون عند المشعر الحرام= بالثناء عليه، والشكر له على أياديه عندكم، وليكن ذكركم إياه بالخضوع لأمره، والطاعة له والشكر على ما أنعم عليكم من التوفيق، لما وفقكم له من سنن إبراهيم خليله بعد الذي كنتم فيه من الشرك والحيرة والعمى عن طريق الحق وبعد الضلالة= كذكره إياكم بالهدى، حتى استنقذكم من النار به بعد أن كنتم على شفا حفرة منها، فنجاكم منها. وذلك هو معنى قوله:" كما هداكم".
* * *
وأما قوله:" وإن كنتم من قبله لمن الضالين"، فإن من أهل العربية من يوجه تأويل" إن" إلى تأويل" ما"، وتأويل اللام التي في" لمن" إلى" إلا". (١)
(١) هذا توجيه الكوفيين انظر المعنى لابن هشام ١: ١٩١ وغيره.