للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس; وكانت سنة إبراهيم وإسمعيل الإفاضة من عرفات.

٣٨٤٠ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، قال: كانت قريش - لا أدري قبل الفيل أم بعده - ابتدعت أمر الحمس، رأيا رأوه بينهم، (١) قالوا: نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت، وقاطنو مكة وساكنوها، (٢) فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا، فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم" (٣) وقالوا: قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم، فتركوا الوقوف على عرفة، والإفاضة منها، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم، ويرون لسائر الناس أن يقفوا عليها، وأن يفيضوا منها، إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة، ولا نعظم غيرها كما نعظمها نحن الحمس - والحمس: أهل الحرم.

ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحل مثل الذي لهم بولادتهم إياهم، فيحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم. وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك. ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن، حتى قالوا:"لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الأقط، ولا يسلأوا السمن وهم حرم، (٤) ولا يدخلوا بيتا من شعر، ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حراما". ثم رفعوا في ذلك (٥) فقالوا:"لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل


(١) في سيرة ابن هشام: "رأيا رأوه وأداروه".
(٢) في سيرة ابن هشام: "وقطان مكة وساكنها".
(٣) في سيرة ابن هشام: "بحرمتكم".
(٤) في سيرة ابن هشام: "أن يأتقطوا" ائتقط الأقط: اتخذه والأقط: شيء يتخذ من اللبن المخيض، يطبخ ثم يترك حتى يمصل وهو من ألبان الإبل خاصة. وسلأ السمن: طبخه وعالجه فأذاب زبده. والحرم (بضمتين) جمع حرام. رجل حرام: محرم.
(٥) رفعوا في ذلك: زادوا وغالوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>