للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو جعفر: والصواب من القول عندي في تأويل ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمرَ عباده المؤمنين بذكره بالطاعة له في الخضوع لأمره والعبادة له، بعد قَضاء مَناسكهم. وذلك"الذكر" جائز أن يكون هو التكبير الذي أمرَ به جل ثناؤه بقوله: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [سورة البقرة:٢٠٣] الذي أوجبه على من قضى نُسكه بعد قضائه نُسكه، فألزمه حينئذ مِنْ ذِكْره ما لم يكن له لازمًا قبل ذلك، وحثَّ على المحافظة عليه مُحافظة الأبناء على ذكر الآباء في الآثار منه بالاستكانة له والتضرع إليه بالرغبة منهم إليه في حوائجهم كتضرُّع الولد لوالده، والصبي لأمه وأبيه، أو أشد من ذلك، إذ كان ما كان بهم وبآبائهم من نعمة فمنه، وهو وليه.

وإنما قلنا:"الذكر" الذي أمر الله جل ثناؤه به الحاجَّ بعد قضاء مَناسكه بقوله:" فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرًا":"جائزٌ أن يكون هو التكبير الذي وَصفنا"، من أجل أنه لا ذكر لله أمرَ العباد به بعد قَضاء مَناسكهم لم يكن عليهم من فرضه قبل قضائهم مناسكهم، سوى التكبير الذي خصَّ الله به أيام منى.

فإذ كان ذلك كذلك، وكان معلومًا أنه جل ثناؤه قد أوجبَ على خلقه بعد قَضائهم مناسكهم من ذكره ما لم يكن واجبًا عليهم قبل ذلك، وكان لا شيء من ذكره خَصّ به ذلك الوقت سوى التكبير الذي ذكرناه= كانت بَيِّنةً صحةُ ما قلنا من تأويل ذلك على ما وصفنا.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>