للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:" وما اختلف فيه"، وما اختلف في الكتاب الذي أنزله وهو التوراة=" إلا الذين أوتوه"، يعني، بذلك اليهودَ من بني إسرائيل، وهم الذين أوتوا التوراة والعلم بها= و"الهاء" في قوله:"أوتوه" عائدة على"الكتاب" الذي أنزله الله=" من بعد ما جاءتهم البينات"، يعني بذلك: من بعد ما جاءتهم حجج الله وأدلته أنّ الكتابَ الذي اختلفوا فيه وفي أحكامه عند الله، وأنه الحق الذي لا يسعهم الاختلاف فيه، ولا العمل بخلاف ما فيه.

فأخبر عز ذكره عن اليهود من بني إسرائيل أنهم خالفوا الكتابَ التوراةَ، واختلفوا فيه على علم منهم، ما يأتون متعمِّدين الخلاف على الله فيما خالفوه فيه من أمره وحكم كتابه.

ثم أخبر جل ذكره أن تعمُّدهم الخطيئة التي أتوها، (١) وركوبهم المعصية التي ركبوها من خلافهم أمرَه، إنما كان منهم بغيًا بينهم.

* * *

و"البغي" مصدر من قول القائل:"بغى فلانٌ على فلان بغيًا"، إذا طغى واعتدى عليه فجاوز حدّه، ومن ذلك قيل للجرح إذا أمدّ، وللبحر إذا كثر ماؤه ففاض، وللسحاب إذا وقع بأرض فأخصبت: "بَغَى" كل ذلك بمعنى واحد، وهي زيادته وتجاوز حده. (٢)

* * *

فمعنى قوله جل ثناؤه:" وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيًا بينهم"، من ذلك. يقول: لم يكن اختلاف هؤلاء المختلفين من اليهود من بني إسرائيل في كتابي الذي أنزلته مع نبييِّ عن جهل منهم به، بل كان


(١) في المطبوعة: "تعمدهم الخطيئة التي أنزلها"، وهو تصحيف وكلام بلا معنى.
(٢) انظر معنى"البغي" فيما سلف ١: ٣٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>