للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

به. وإن شئت جعلت" الصد"" كبيرًا"، يريد به: قل القتالُ فيه كبير، وكبيرٌ الصدُّ عن سبيل الله والكفر به. (١)

* * *

قال أبو جعفر: قال فأخطأ -يعني الفراء- في كلا تأويليه. وذلك أنه إذا رفع" الصد" عطفًا به على" كبير"، يصير تأويل الكلام: قل القتالُ في الشهر الحرام كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل الله، وكفرٌ بالله. وذلك من التأويل خلافُ ما عليه أهل الإسلام جميعًا. لأنه لم يدَّع أحد أن الله تبارك وتعالى جعل القتال في الأشهر الحرم كفرًا بالله، بل ذلك غير جائز أن يُتَوَهَّم على عاقل يعقل ما يقولُ أن يقوله. وكيف يجوز أن يقوله ذو فطرة صحيحة، والله جل ثناؤه يقول في أثر ذلك:" وإخراجُ أهله منه أكبرُ عند الله"؟! فلو كان الكلام على ما رآه جائزًا في تأويله هذا، لوجب أن يكون إخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام، كان أعظمَ عند الله من الكفر به، وذلك أنه يقول في أثره:" وإخراجُ أهله منه أكبر عند الله". وفي قيام الحجة بأن لا شيء أعظمُ عند الله من الكفر به، ما يُبين عن خطأ هذا القول.

وأما إذا رفع" الصد"، بمعنى ما زعم أنه الوجه الآخر - وذلك رفعه بمعنى: وكبير صدٌّ عن سبيل الله، ثم قيل:" وإخراجُ أهله منه أكبرُ عند الله" - صار المعنى إلى أن إخراجَ أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام، أعظمُ عند الله من الكفر بالله والصدِّ عن سبيله، وعن المسجد الحرام. ومتأوِّل ذلك كذلك، داخل من الخطأ في مثل الذي دخل فيه القائلُ القولَ الأوّل: (٢) من تصييره بعض خلال الكفر أعظمَ عند الله


(١) هو قول الفراء، كما سيأتي بعد في النص، وانظر معاني القرآن ١: ١٤١. وقد رد الطبري كلام الفراء ردًا حكيما، وأظهر الفساد الذي ينطوي عليه قول من يقول في القرآن، وهو لا يحكم النظر في أحكام الله، فيظن كل جائز في العربية والنحو، جائزا أن يحمل عليه كتاب الله. وردود الطبري تعلم المرء كيف يتخلق بأخلاق أهل العلم والإيمان، من الأناة والتوقف والصبر والورع، أن تزل قدم في هوة من الضلال والجهالة وسوء الرأي.
(٢) في المطبوعة: "داخل من الخطأ مثل. . . " سقطت"في" من ناسخ فيما أرجح.

<<  <  ج: ص:  >  >>