وكأنَّ قائلي هذه المقالة، وجَّهوا تأويل مؤاخذة الله عبدَه على ما كسبه قلبه من الأيمان الفاجرة، إلى أنها مؤاخذةٌ منه له بها بإلزامه الكفارة فيه. وقال بنحو قول قتادة جماعة أخر، في إيجاب الكفارة على الحالف اليمينَ الفاجرةَ، منهم عطاءٌ والحكم.
وقال آخرون: بل ذلك معنيان: أحدهما مؤاخذ به العبد في حال الدنيا بإلزام الله إياه الكفارةَ منه، والآخر منهما مؤاخذٌ به في الآخرة إلا أن يعفو.
* ذكر من قال ذلك:
٤٤٧٥ - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" أمَّا،" ما كسبت قلوبكم" فما عقدت قلوبكم، فالرجل يحلف على اليمين يعلم أنها كاذبة - إرادةَ أن يقضي أمرَه. والأيمان ثلاثة:"اللغو، والعمد، والغَموس". والرجل يحلف على اليمين وهو يريد أن يفعل، ثم يرى خيرًا من ذلك، فهذه اليمين التي قال الله تعالى ذكره:" ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتم الأيمان"، فهذه لها كفارة.
* * *
وكأنَّ قائل هذه المقالة، وجَّه تأويل قوله:" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم"، إلى غير ما وجَّه إليه تأويل قوله:" ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان"، وجعل قوله:" بما كسبت قلوبكم"، الغموسَ من الأيمان التي يحلف بها الحالف على علم منه بأنه في حلفه بها مبطل - وقوله:" بما عقدتم الأيمان"، اليمينَ التي يستأنف فيها الحِنث أو البرَّ، وهو في حال حلفه بها عازم على أن يبرَّ فيها.