للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو جعفر: وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك بالصواب، قولُ من قال: كل يمين منَعت المقسم الجماعَ أكثر من المدة التي جعل الله للمولي تربُّصَها، قائلا في غضب كان ذلك أو رضًا. وذلك للعلة التي ذكرناها قبل لقائلي ذلك.

وقد أتينا على فساد قول من خالف ذلك في كتابنا (كتاب اللطيف) بما فيه الكفاية، فكرهنا إعادته في هذا الموضع.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فإن رجعوا إلى ترك ما حلَفوا عليه أن يفعلوه بهن من ترك جماعهن، فجامعوهن وحنِثوا في أيمانهم ="فإن الله غفورٌ"، لما كان منهم من الكذب في أيمانهم بأن لا يأتوهن ثم أتوهُن، ولما سلف منهم إليهن، (١) من اليمين على ما لم يكن لهم أن يحلفوا عليه فحلفوا عليه ="رحيم" بهم وبغيرهم من عباده المؤمنين.

* * *

وأصل"الفيء"، الرجوع من حال إلى حال، ومنه قوله تعالى ذكره: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) إلى قوله (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) [سورة الحجرات: ٩] ، يعني: حتى ترجع إلى أمر الله. ومنه قول الشاعر: (٢)

فَفاءَتْ وَلَمْ تَقْضِ الَّذِي أَقْبَلَتْ لَهُ ... وَمِنْ حَاجَةِ الإنْسَانِ مَا لَيْسَ قَاضِيَا (٣)


(١) في المخطوطة والمطبوعة: "وبما سلف" والسياق يتطلب ما أثبت.
(٢) هو سحيم عبد بني الحسحاس.
(٣) ديوانه: ١٩ وحماسة ابن الشجري: ١٦٠ وغيرهما من قصيدته الغراء العجيبة وقد مضى منها بيت فيما سلف ١: ١٠٦ن ٤٤٧. والضمير في قوله: "ففاءت" إلى صاحبته التي ذكرها وذكر ما بينه وبينها. ورواية الطبري وابن الشجري أحب إي من رواية الديوان: "ولم تقض الذي هو أهله". يقول: عادت إلى أهلها وقد أضاعت ما كانت مزمعة أن تفعله، أنساها حبه وغزله ما كانت نوته وإرادته. فيعزيها بأن المرء ربما طلب قضاء شيء ويشاء الله غيره فإذا هو لا يقتضيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>