للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله تعالى: {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} (١)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: لا تحمل نفس من الأمور إلا ما لا يضيق عليها، ولا يتعذر عليها وجوده إذا أرادت. وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك: لا يوجب الله على الرجال من نفقة من أرضع أولادهم من نسائهم البائنات منهم، إلا ما أطاقوه ووجدوا إليه السبيل، كما قال تعالى ذكره: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) [سورة الطلاق: ٧] ، كما: -

٤٩٧٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران= وحدثني علي قال، حدثنا زيد = جميعا، عن سفيان:"لا تكلف نفس إلا وسعها"، إلا ما أطاقت. (٢)

* * *

"والوسع""الفعل" من قول القائل:"وسعني هذا الأمر فهو يسعني سعة"- ويقال:"هذا الذي أعطيتك وسعي"، أي: ما يتسع لي أن أعطيك، فلا يضيق علي إعطاؤكه= و"أعطيتك من جهدي"، إذا أعطيته ما يجهدك فيضيق عليك إعطاؤه.

* * *

فمعنى قوله:"لا تكلف نفس إلا وسعها"، هو ما وصفت: من أنها لا تكلف إلا ما يتسع لها بذل ما كلفت بذله، فلا يضيق عليها ولا يجهدها= لا ما ظنه جهلة أهل القدر من أن معناه: لا تكلف نفس إلا ما قد أعطيت عليه القدرة من الطاعات. لأن ذلك لو كان كما زعمت، لكان قوله تعالى ذكره: (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا) [سورة الإسراء: ٤٨ وسورة الفرقان: ٩] ، = إذا كان دالا على أنهم غير مستطيعي السبيل إلى ما كلفوه= واجبا أن يكون القوم في حال واحدة، قد أعطوا الاستطاعة على


(١) في المخطوطة: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، عجل الناسخ فأخطأ التلاوة.
(٢) الأثر: ٤٩٧٣- انظر إسناد الأثرين السالفين: ٤٩٥٥، ٤٩٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>