يكون هو النكاح الذي سألها أن تجيبه إليه، بعد انقضاء عدتها، وبعد عقده له، دون الناس غيره. فإن كان"السر" الذي نهى الله الرجل أن يواعد المعتدات، هو أخذ العهد عليهن أن لا ينكحن غيره، فقد بطل أن يكون"السر" معناه: ما أخفى من الأمور في النفوس، أو نطق به فلم يطلع عليه، وصارت العلانية من الأمر سرا. وذلك خلاف المعقول في لغة من نزل القرآن بلسانه.
إلا أن يقول قائل هذه المقالة: إنما نهى الله الرجال عن مواعدتهن ذلك سرا بينهم وبينهن، لا أن نفس الكلام بذلك - وإن كان قد أعلن- سر.
فيقال له إن قال ذلك: فقد يجب أن تكون جائزة مواعدتهن النكاح والخطبة صريحا علانية، إذ كان المنهي عنه من المواعدة، إنما هو ما كان منها سرا.
فإن قال: إن ذلك كذلك، خرج من قول جميع الأمة. على أن ذلك ليس من قيل أحد ممن تأول الآية أن"السر" ها هنا بمعنى المعاهدة أن لا تنكح غير المعاهد.
وإن قال: ذلك غير جائز.
قيل له: فقد بطل أن يكون معنى ذلك: إسرار الرجل إلى المرأة بالمواعدة. لأن معنى ذلك، لو كان كذلك، لم يحرم عليه مواعدتها مجاهرة وعلانية. وفي كون ذلك عليه محرما سرا وعلانية، ما أبان أن معنى"السر" في هذا الموضع، غير معنى إسرار الرجل إلى المرأة بالمعاهدة أن لا تنكح غيره إذا انقضت عدتها= أو يكون، إذا بطل هذا الوجه، معنى ذلك: الخطبة والنكاح الذي وعدت المرأة الرجل أن لا تعدوه إلى غيره. فذلك إذا كان، فإنما يكون بولي وشهود علانية غير سر. وكيف يجوز أن يسمى سرا، وهو علانية لا يجوز إسراره؟
وفي بطول هذه الأوجه أن يكون تأويلا لقوله:"ولكن لا تواعدوهن سرا" بما عليه دللنا من الأدلة، وضوح صحة تأويل ذلك أنه بمعنى الغشيان والجماع.
وإذ كان ذلك صحيحا، فتأويل الآية: ولا جناح عليكم، أيها الناس، فيما