للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد بينا في كتابنا المسمى (بلطيف البيان عن أصول الأحكام) ، لقوله:"وللمطلقات متاع بالمعروف". ولا خلاف بين جميع أهل التأويل أن معنى ذلك: وللمطلقات على أزواجهن متاع بالمعروف. وإذا كان ذلك كذلك، فلن يبرأ الزوج مما لها عليه إلا بما وصفنا قبل، من أداء أو إبراء على ما قد بينا.

* * *

فإن ظن ذو غباء أن الله تعالى ذكره إذ قال:"حقا على المحسنين" و"حقا على المتقين"، أنها غير واجبة، لأنها لو كانت واجبة لكانت على المحسن وغير المحسن، والمتقي وغير المتقي= فإن الله تعالى ذكره قد أمر جميع خلقه بأن يكونوا من المحسنين ومن المتقين، وما وجب من حق على أهل الإحسان والتقى، فهو على غيرهم أوجب، ولهم ألزم.

وبعد، فإن في إجماع الحجة على أن المتعة للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس واجبة بقوله:"ومتعوهن"، وجوب نصف الصداق للمطلقة المفروض لها قبل المسيس بقول الله تعالى ذكره (١) فيما أوجب لهما من


(١) في المطبوعة والمخطوطة: "وجوب نصف الصداق للمطلقة المفروض لها قبل المسيس، قال الله تعالى ذكره فيما أوجب لها من ذلك. . . ". وقد وقفت طويلا على هذه العبارة، فلم يخلص لها معنى عندي، ولم أستحل أن أدعها بغير بيان فسادها، وإثبات صحة ما رأيته. ومراد الطبري في سياق هذا الاحتجاج الأخير الذي بدأه في هذه الفقرة، أن يتمم حجته في رد قول من ظن أن المتعة غير واجبة، لقوله تعالى: "حقا على المحسنين" و"حقا على المتقين"، فقال: إن قول الله تعالى"ومتعوهن" قد أوجبت المتعة للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس، -كما أوجب قوله تعالى"فنصف ما فرضتم"، نصف الصداق للمطلقة المفروض لها قبل المسيس- وهي الآية التي لم يذكر فيها: "حقا على المحسنين" ولا"حقا على المتقين". ففي إجماع الحجة على وجوب ذلك لهما، الدليل الواضح على أن قوله تعالى: "وللمطلقات متاع بالمعروف"، يوجب المتعة لكل مطلقة-"وإن كان قال: حقا على المتقين" بعقب هذه الآية. ثم بين هذه الحجة في الفقرة التالية بيانا شافيا، فقال إن إجماعهم على إيجاب المتعة للمطلقة غير المفروض لها بقوله: "ومتعوهن" مع تعقيب ذلك بقوله في الآية: "حقا على المحسنين" دليل على أن ذلك كذلك في قوله: "وللمطلقات متاع بالمعروف"، مع تعقيب ذلك بقوله: "حقا على المتقين"، فالمتعة واجبة لكل مطلقة، كما وجبت في الآية الأخرى. من أجل هذا السياق الذي بينته، رأيت أن نص المخطوطة والمطبوعة فاسد غير دال على معنى، فاقتضى ذلك أن أجعل"قال الله تعالى ذكره" -"بقول الله تعالى ذكره"، وأن أزيد بعدها: "فنصف ما فرضتم"، وأن أجعل"فيما أوجب لها"-"فيما أوجب لهما" على التثنية. هذا ما رجح عندي وثبت وصح، والحمد لله أولا وآخرا، وكأنه الصواب في أصل الطبري إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>