للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأما مذهب من تأوَّل في ذلك ما قاله الربيع بن أنس، فهو أنّ الله تعالى ذكره لمّا أخبرَ عن قوم من أهل الكفر بأنهم لا يؤمنون، وأن الإنذارَ غيرُ نافعهم، ثم كانَ من الكُفّار من قد نَفَعه الله بإنذار النبي صلى الله عليه وسلم إيّاه، لإيمانه بالله وبالنبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله بعد نزول هذه السورة (١) - لم يَجُز أن تكون الآية نزلت إلا في خاصٍّ من الكفار وإذ كان ذلك كذلك - وكانت قادةُ الأحزاب لا شك أنَّهم ممن لم ينفعه الله عز وجل بإنذار النبي صلى الله عليه وسلم إياه، حتى قتلهم الله تبارك وتعالى بأيدي المؤمنين يوم بدرٍ - عُلم أنهم مِمّن عنَى الله جل ثناؤه بهذه الآية.

وأمَّا عِلَّتُنا في اختيارنا ما اخترنا من التأويل في ذلك، فهي أنّ قول الله جل ثناؤه (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) ، عَقِيبَ خبر الله جل ثناؤه عن مؤمني أهل الكتاب، وعَقِيبَ نعتهم وصِفتهم وثنائه عليهم بإيمانهم به وبكتبه ورسله. فأوْلى الأمور بحكمة الله، أن يُتلِيَ ذلك الخبرَ عن كُفّارهم ونُعُوتهم، وذمِّ أسبابهم وأحوالهم (٢) ، وإظهارَ شَتْمهم والبراءةَ منهم. لأن مؤمنيهم ومشركيهم -وإن اختلفت أحوالهم باختلاف أديانهم- فإن الجنس يجمع جميعَهم بأنهم بنو إسرائيل.

وإنما احتجّ الله جلّ ثناؤه بأوّل هذه السورة لنبيِّه صلى الله عليه وسلم على مشرِكي اليهود من أحبار بني إسرائيل، الذين كانوا مع علمهم بنبوّته مُنْكِرين نبوّته - بإظهار نبيِّه صلى الله عليه وسلم على ما كانت تُسِرُّه الأحبار منهم وتكتُمه، فيجهلُهُ عظْم اليهود وتعلمُه الأحبار منهم (٣) - ليعلموا أن الذي أطلعه على علم ذلك، هو الذي أنزل الكتابَ على موسى. إذْ كان ذلك من الأمور التي لم يكنْ محمد


(١) سياق عبارته"فهو أن الله تعالى ذكره لما أخبر عن قوم. . . لم يجز. . . "
(٢) الأسباب جمع سبب: وأراد بها الطرق والوسائل.
(٣) عظم اليهود: معظمهم وأكثرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>