ثم قال تعالى ذكره لهم: واعلموا، أيها المؤمنون، أن ربكم"سميع" لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي: لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا="عليم" بما تجنه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم، (١) وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم، ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي.
يقول تعالى ذكره لعباده المؤمنين: فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوكم في سبيلي، وغير ذلك من أمري ونهيي، إذ كفر هؤلاء نعمي. واعلموا أن الله سميع لقولهم، وعليم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، محيط بذلك كله، حتى أجازي كلا بعمله، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا.
* * *
قال أبو جعفر: ولا وجه لقول من زعم أن قوله:"وقاتلوا في سبيل الله"، أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال، بعد ما أحياهم. لأن قوله:"وقاتلوا في سبيل الله"، لا يخلو- إن كان الأمر على ما تأولوه- من أحد أمور ثلاثة:
= إما أن يكون عطفا على قوله:"فقال لهم الله موتوا"، وذلك من المحال أن يميتهم، ويأمرهم وهم موتى بالقتال في سبيله.
= أو يكون عطفا على قوله:"ثم أحياهم"، وذلك أيضا مما لا معنى له. لأن قوله:"وقاتلوا في سبيل الله"، أمر من الله بالقتال، وقوله:"ثم أحياهم"، خبر عن فعل قد مضى. وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض، لو كانا جميعا خبرين، لاختلاف معنييهما. فكيف عطف الأمر على خبر ماض؟
= أو يكون معناه: ثم أحياهم وقال لهم: قاتلوا في سبيل الله، ثم أسقط"القول"،
(١) في المطبوعة: "بما تخفيه صدورهم"، وأثبت ما في المخطوطة. وأجن الشيء: ستره وكتمه وأخفاه.